للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقع عليه الحرب، فقال له ابن سلام: أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهن كلهن.

وقال مجاهد: معناه إن وجدته في يد غيرك فديته، وأنت تقتله بيدك.

ثم إنه تعالى سبب عما ذكره في الآية قوله: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ}، أي: إلَّا ضد ما قصدتم بفعلكم من العز، والخزي إظهار القبائح التي يستحي من إظهارها عقوبة، وهذا معنى من فسر الخزي بالذم العظيم والتحقير البالغ، وبعض المفسرين خصه ببعض الأنواع، فالأولى فيه التعميم، وهذا وعيد لهم في الدنيا وجزاؤهم بها.

ثم بين جزاءهم في الآخرة، وأنهم يجازون على ذلك في الدنيا والأخرى، فقال: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ} أي: يصيرون إلى أشد العذاب، لأنَّ عذاب الدنيا ينقضي وعذاب الآخرة لا انقضاء له، ولما كانت المواجهة بالتهديد أدل على الغضب، التفت إليهم فقال: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، أي: عن شيء مما تعملون من هذا ومن غيره. والالتفات مبني على قراءة الجماعة تعملون بتاء الخطاب، وقرأ نافع وابن كثير يعملون بالغيب على الأسلوب الماضي، وأورد الرازي على هذه الآية سؤالًا هو: أن عذاب الدهرية الذين ينكرون الصانع، يجب أن يكون أشد من عذاب اليهود، فكيف قال في حق اليهود: {يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}؟ وقد تقدم لك التلميح عن هذا الجواب، ويصرح به ما أجاب به الرازي، بأن المراد من {أَشَدِّ الْعَذَابِ}، أن العذاب الَّذي يعذبون به في الآخرة أشد من العذاب الَّذي يعذبون به في الدنيا، من الخزي الحاصل لهم بها، فلفظ الأشد، وإن كان مطلقًا إلا أنَّه مقيد من هذه الجهة.

ولما كانت هذه الآيات كلها كالدليل على قوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة: ٦١] الآية، كان فذلكة، ذلك قوله تعالى:

{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦)}

<<  <   >  >>