للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{عَابِدُونَ} أي: خاضعون مستكينون له، غير مستكبرين عن اتباع أمره، والإقرار برسالة رسله، كما استكبرت الأمم غيرنا.

ولما كان ما تقدم مقام احتجاج بين المسلمين وأهل الكتاب، قال تعالى:

{قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} [البقرة: ١٣٩].

أي: {قُلْ} يا محمد لمعاشر اليهود والنصارى، الذين قالوا لك ولأصحابك: {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}، وزعموا أن دينهم خير من دينكم، وكتابهم خير من كتابكم، لأنه كان قبل كتابكم، وزعموا أنهم من أجل ذلك أولى بالله منكم: {أَتُحَاجُّونَنَا}؟ أتجادلوننا وتخاصموننا {فِي} شأن {اللَّهِ}؟ وترون أنكم أولى بالله منا {وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} بيده الخيرات، وإليه الثواب والعقاب، والجزاء على الأعمال: الحسنات منها والسيئات، فتزعمون أنكم أولى بالله منّا من أجل أن نبيكم كان وجوده قبل نبينا، وكتابكم قبل كتابنا، وربكم وربنا واحد، وإن لكل فريق منا عمل واكتسب من صالح الأعمال وسيئها ويجازى فيثاب أو يعاقب، لا على الأنساب، وقِدَمِ الدين والكتاب، وما جدالكم هذا إلا تعصب للقومية والجنسية.

ثمَّ قال: {وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} أي: موحدون، نخلصه بالإيمان، فلا تستبعدوا أن يؤهل أهل إخلاصه لكرامته بالنبوة.

ولما ذكر سبحانه وتعالى، الاستفهام بقوله: {أَتُحَاجُّونَنَا} معاشر اليهود والنصارى؟ أردفه باستفهام آخر فقال:

{أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: ١٤٠].

كأنه قال: {أَتُحَاجُّونَنَا. . أَمْ تَقُولُونَ}؟ وهذا على قراءة {تَقُولُونَ} بالتاء، وهي قراءة ابن عامر وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وقرأ الباقون بالياء

<<  <   >  >>