للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى.

أما بعد:

فأقول: لما بيّن سبحانه وتعالى الشبهة الأولى، التي ذكرها اليهود والنصارى طعنًا في دين الإِسلام، بيّن الشبهة الثانية، وذلك أنه لما كان ادعاؤهم أن أسلافهم على دينهم، لئلا تنتقض دعواهم، أن الجنة خاصة بهم، مع كونه فضولًا (١) لا سند له يثبت به شيء، محاولة لعدم جواز النسخ، وكان إبطال الله لقولهم، وعيبهم بما أحدثوا في دينهم، وتقريعهم به، ملزومًا لأن يكونوا أباحوا لأنفسهم منه ما منعوا خالقهم، وهو لا يُسأل عما يفعل، كانوا أسفه الناس. فعقبه بالتصريح بعيبهم، والتعجيب منهم في إنكارهم لنسخ القِبلة، وخفتهم بالاعتراض على ربهم، فقال واصلًا له بما قبله على وجه أعم:

{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: ١٤٢].

لأنهم إذا لم يكونوا يعلمون حقيقة ذلك، فلم يتبعوهم، فلا أقل من أن يكفوا عن غيّهم، فكيف وهم عالمون بأنه الحق؟

وسبب نزول هذه الآية، ما أخرجه البخاري في الصحيح، عن البراء بن عازب، قال:

لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله:


(١) الفضول من القول: الكلام الذي لا معنى له.

<<  <   >  >>