للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للتشديد في التكليف، ولهذا نهانا الله عنه بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: ١٠١] ويبين تعالى عاقبة التشديد في السؤال، والتعنت في هذه الآية، بما هو غني عن الإيضاح.

ثانيها: يبين تعالى في هذه الآية أن من الحجارة ما يتردى من الموضع العالي الذي يكون فيه، فينزل إلى أسفل، وهؤلاء الكفار مصرون على العناد والتكبر، فلا يهبطون من علو تكبرهم وعنادهم إلى الخضوع والانقياد، فالحجارة أحسن حالًا منهم، وكذلك من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وأن منها لما يتشقق فيخرج منه الماء المحيي للأرض، والمخرج منها أنواع النبات والثمرات، وقلوب هؤلاء قد طبع الله عليها بكفرهم، فلا تتفجر منها ينابيع الهداية، ولا تخرج منها الحكمة التي تحيي النفوس، كما يحيي الماء الأرض، فلا يزالون هم ومن كان على شاكلتهم، في عمى وضلال وغي لا يرجى زواله، فنعوذ بالله كان الخذلان.

ثالثها: حكى الرَّازي عن الحكماء المتقدمين (١): أن الأنهار إنَّما تتولد عن أبخرة تجتمع في باطن الأرض، فإن كان ظاهر الأرض رخوًا انشقت تلك الأرض وانفصلت، وإن كان ظهر الأرض صلبًا حجريًا اجتمعت تلك الأبخرة، ولا يزال يتصل تواليها بسوابقها حتَّى تكثر كثرة عظيمة، فيعرض حينئذ من كثرتها وتواتر مدها، أن تنشق الأرض وتسيل تلك المياه أودية وأنهارًا، انتهى.

وسيمر بك تحقيق هذا البحث في أماكنه إن شاء الله تعالى.

ولما ذكر تعالى، ما كان من قبيح من سلف من بني إسرائيل قبل نزول الكتاب العزيز، شرح من هنا قبائح أفعال اليهود الذين كانوا وقت نزول القرآن العظيم، وذلك لمقاصد، منها الدلالة بها على صحة نبوة محمَّد - صَلَّى الله عليه وسلم -، لكونه كان أميًا لا علم له بشيء منها إلَّا بطريق الوحي؛ ومنها تعديد النعم على أسلافهم،


(١) إن في أقوال المتقدمين من الحكماء! ما لا يوافق النصوص القرآنية، وصحيح الأحاديث النبوية، وعرفنا الآن أنَّه لا يوافق ما وصل إليه علمنا. فلسنا ملزمين به.

<<  <   >  >>