للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي {وَأُشْرِبُوا} إشارة إلى أنَّه كما أن الشرب مادة لحياة ما تخرجه الأرض، فكذا تلك المحبة كانت مادة لجميع ما صدر عنهم من الأفعال، وقوله تعالى: {بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ} معناه: {قل} لهم يا محمد أو قل يا من يجادلهم: {بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} بالتوراة، لأنَّه ليس في التوراة عباد العجاجيل، وأضاف الأمر إلى إيمانهم لأجل التهكم بهم، وكذلك إضافة الإيمان إليهم، وأما قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فالمراد به التشكيك في إيمانهم، والقدح في صحة دعواهم.

ثم ذكر تعالى نوعًا آخر من قبائحهم:

{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥)}.

لما بيّن سبحانه وتعالى، في الآية السابقة عظيم كفرهم وعنادهم، مع وقاحتهم بادعاء الإيمان والاختصاص بالجنان، ثم أمر نبيه أن يتهكم بهم بقوله: {بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ}، ونهضت الأدلة على أنَّه لا حَظّ لهم في الآخرة غير النار، وذلك نقيض دعواهم أن الجنّة لهم وحدهم، ختم سبحانه وتعالى ذلك بدليل قطعي بديهي، فقال: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ}، أي: الجنّة {خالصة} أي: سالمة لكم، خاصة بكم، ليس لأحد سواكم فيها حق، يعني: إن صح قولكم: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا} [البقرة: ١١١]، وقدم الجار والمجرور الَّذي هو {لكم} للاختصاص، وقوله: {مِنْ دُونِ النَّاسِ}، معناه: سائرهم، لا يشرككم فيها أحد، {فتمنوا الموت}، لأنَّ ذلك عَلَم على صلاح حال العبد مع ربه، وعمارة ما بينه وبينه، ورجائه للقائه.

قال الحرالي: على قدر نفرة النفس من الموت يكون ضعف منالها من المعرفة التي تأنس بربها، فتتمنى لقاءه وتحبه، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، انتهى.

<<  <   >  >>