للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حاطب ليل (١) وأن يتفكروا في أسرار المخلوقات، فيعلموا ما في طيها من الدلائل الدالة على الوحدانية، وما في طيها أيضًا من المنافع الدنيوية على ما تضمنه فن المواليد الثلاثة، النبات، والحيوان، والمعدن. وما ينتج عن ذلك من الأمور المسهلة لمنافع الخلق، كما نشاهد اليوم من المخترعات التي تدهش العقول، وأمرهم بذكر الجوارح، وهي: أن تكون مستغرقة في الأعمال التي أمروا بها، وخالية عن الأعمال التي نهوا عنها وأمرهم بذكر اللسان، وهو تلاوة القرآن والأذكار التي رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجاء الكتاب العزيز بها لا غير، فإنكم إن ذكرتموني كذلك {أَذْكُرْكُمْ} بالرحمة، وبإجابة النداء في الدعاء، والإحسان، والثناء، والنعمة، والمعونة والهداية، وعند النبلاء فأرفعه عنكم {وَلَا تَكْفُرُونِ}، فإنكم إن فعلتم ذلك سلبت عنكم نعمتي، وفيه إشارة إلى أنه لما كان للعرب ولع بذكر آبائهم ووقائعهم وأيامهم، وذلك علمهم وكتابهم، عوضهم الله عن ذلك كتاب الله وحكمته، فقص عليهم أحسن القصص، وعلمهم طرق الهداية.

ولما علم من هذه الآيات إعضال ما بينهم وبين السفهاء، وأمرهم بالدواء المنجح، من الإعراض عنهم والإقبال على ذكره وشكره، أتبع ذلك بالإشارة إلى أن الأمر يصل إلى أشد مما توهموه، فقال:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: ١٥٣].

خص الصبر والصلاة بالذكر، لما فيهما من المعونة على العبادات؛ أما الصبر فهو: قهر النفس على احتمال المكاره في ذات الله تعالى، وتوطينها على تحمل المشاق وتجنب الجزع، ومن حمل نفسه قلبه على هذا التذليل، سهل عليه فعل الطاعات، وتحمل مشاق العبادات، وتجنب المحظورات.

وأما الاستعانة بالصلاة، فلأنها تفعل على طريق الخضوع والتذلل للمعبود، والإخلاص له، ويجب أن يوفر همه وقلبه عليها، وعلى ما يأتي فيها من قراءة، فيتدبر الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، ومن سلك هذه الطريقة في الصلاة،


(١) هو مثال يضرب لمن لا يتروى في الأمور.

<<  <   >  >>