للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} [طه: ٧٧، والشعراء: ٥٢] أي: أخرجهم ليلًا، فلما سرى بهم بلغ ذلك فرعون، فلم يتهيأ له اللحاق بهم إلى شروق الشَّمس، كما قال تعالى: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠)} [الشعراء] فساروا في طلبهم حتَّى أدركوهم، {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} ونظر بعضهم إلى بعض، {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء] فواقعون في قبضة أعدائنا. فـ {قَالَ} لهم موسى: {كَلَّا} لا يدركوننا، وإني خرجت بأمر من ربي، وهو {مَعِيَ} - معية حفظ ومعونة- {سَيَهْدِينِ}، سيدلني على طريق النجاة من الأعداء، ثم وقفوا متحيرين، البحر أمامهم والعدو من ورائهم، فأوحى الله {إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ}، فلما ضرب حسبما أمره الله تعالى، {فَانْفَلَقَ} وانشق فرقًا {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ} أي: كالجبل {الْعَظِيمِ}، ثم هبت الرِّيح فيبست الطرق، وتيسر سلوكها، فسلك كل سبط من أسباط بني إسرائيل طريقًا، فلما رأى فرعون وجنده الطرق طمع في سلوكها، فأتبعهم ودخل البحر، حتَّى إذا خرج بنو إسرائيل إلى الساحل، وصار فرعون وقومه في البحر، انضم الماء بعضه إلى بعض فغرقوا.

وللمفسرين هنا حكايات منقولة عن الإسرائيليات، أضربنا عنها لأن العقل لا يسلم بأكثرها، حتَّى إنَّها مخالفة للتوراة التي هي اليوم بالأيدي، وإليك إشارة إلى بعضها لتعلم مكان الباقي، وذلك أن الفخر الرَّازي، وابن جرير الطبري، وغيرهما من المولعين بنقل الإسرائيليات، حكوا: أن فرعون لما أصبح صباح الليلة التي سار فيها بنو إسرائيل، دعا بشاة فذبحت، ثم قال: لا أفرغ من أكل كبد هذه الشَّاة حتَّى يجتمع إليّ ستمئة ألف من القبط، فعلى رواية ابن جرير: لم يفرغ من كبدها حتَّى اجتمع إليه ستمئة ألف من القبط، وقال الرَّازي: قال قتادة: اجتمع إليه ألف ألف ومئتا ألف نَفسِ، كل واحد منهم على فرس حصان.

فانظر أيها العاقل المنصف إلى هذه المبالغة التي يتبرأ منها العقل، وتأمل كيف يمكن أجمع، هذا الجمع العظيم على خيولهم في مدة أكل كبد الشاة، وأنت تعلم أن أعظم ملوك الأرض اليوم الذي مِلك فرعون بالنسبة إلى ملكه جزء صغير،

<<  <   >  >>