للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنتم، ولم أكن حرمته عليكم من المطاعم والمشارب، {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}، يقول: وأثنوا على الله بما هو أهله منكم على النعم التي رزقكم وطيبها لكم، {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، يقول: إن كنتم منقادين لأمره، سامعين مطيعين، فكلوا مما أباح لكم أكله، وحلله وطيبه لكم، ودعوا في تحريمه خطوات الشيطان.

أخرج مسلم في صحيحه, والترمذي في جامعه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: ٥١] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك" (١).

والطيب معناه: الطاهر، وطيبات الرزق: خلاف الخبيث، بدليل أنه تعالى وصف رسوله، بأنه {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧].

وقد أرشد الله المؤمنين في هذه الآية إلى ترك ما كانوا يحرمونه في جاهليتهم من المطاعم، وهو الذي ندبهم إلى أكله، ونهاهم عن اعتقاد تحريمه، إذ كان تحريمهم إياه كان في الجاهلية طاعة منهم للشيطان، واتباعاً لأهل الكفر منهم بالله من الآباء والأسلاف، هذا بالنسبة لما خوطبوا بهذه الآية حال نزولها، وأما بالنسبة إلى ما يقتضيه العموم، فلعل أقوامًا ظنوا أن التوسع في المطاعم، والاستكثار من طيباتها ممنوع منه، فأباح تعالى ذلك بهذه الآية.

والمعنى حينئذٍ: كلوا من لذائذ ما أحللناه لكم، فكان تخصيصه بالذكر لهذا المعنى. وظاهر قوله تعالى: {كُلُوا}، الأمر بالأكل المعهود.


(١) هو في "صحيح الجامع الصغير" ٢٧٤٤، و"مسند الإِمام أحمد" ٢/ ٣٢٨ (٨٣٢٣)، و"مختصر المقاصد الحسنة" ٢٠٨، و"غاية المرام" ١٧، طبع المكتب الإِسلامي.

<<  <   >  >>