للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أنه إخبار عن اليهود والنصارى، فعلى الأول يحتمل أن تكون {أَمْ} متصلة، وتقديره: بأي الحجتين تتعلقون في أمرنا؟ أبالتوحيد؟ فنحن موحدون، أم باتباع دين الأنبياء؟ فنحن متبعون، وأن تكون منقطعة بمعنى بل أتقولون؟ ! والهمزة للإنكار أيضًا، وعلى الثاني تكون منقطعة لانقطاع معناه، بمعنى الانقطاع إلى حجاج آخر غير الأول، كأنه قيل: أ {تَقُولُونَ إِنَّ} الأنبياء كانوا قبل نزول التوراة {هُودًا أَوْ نَصَارَى}؟ ولما كان قولهم هذا باطلًا، أورد الله هذا الكلام في معرض الاستفهام على سبيل الإنكار، والغرض منه الزجر والتوبيخ، وأن يقرر الله في نفوسهم، أنهم يعلمون أنهم كانوا كاذبين فيما يقولون.

وقوله: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} معناه: إن الله أعلم، وخبره أصدق، وقد أخبر في التوراة والإنجيل، وفي الفرقان على لسان نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: أنهم كانوا مسلمين مبرئين عن اليهودية والنصرانية، فأخبر تعالى بنقيض ما ادعوه، فإن قالوا ذلك عن ظن، فقد بان لهم خطؤهم، وإن قالوا ذلك عن جحود وعناد، فما أجهلهم وأشقاهم، فإن فائدة الكلام: إما التنبيه، وإما التجهيل.

وقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} إما أن يتعلق {مِنَ اللَّهِ} بـ {أَظْلَمَ}، فالمعنى: لو كان إبراهيم وبنوه، هودًا أو نصارى، ثم إن الله كتم هذه الشهادة، لم يكن أحد ممن يكتم شهادة أظلم منه، لأن الظلم من الأعدل أشنع، وإما أن يتعلق بـ {كَتَمَ}، فالمعنى: لا أحد أظلم ممن عنده شهادة ثم لم يقمها عند الله، وكتمها وأخفاها منه، وإما أن يتعلق بـ {شَهَادَةً}، كقولك: عندي شهادة من فلان، ومثله {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ١]، فالمعنى: ليس أحد أظلم ممن كتم شهادة عنده جاءته من الله، وفيه إشارة إلى أن المؤمنين لا يكتمون ما عندهم من الحق، وشهدوا لإبراهيم بالحنيفية، وتعريض بأن أهل الكتاب قد كتموا شهادات الله، فأنكروا نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وحنيفية إبراهيم، وغير ذلك من تحريفهم.

<<  <   >  >>