للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لنا اليوم فرضه، وهو قول الشعبي، وهو ضعيف, لأن تشبيه الشيء بالشيء، يقتضي استواءهما في أمر من الأمور، فأما أن يقال: إنه يقتضي الاستواء في كل الأمور فلا، ثم القائلون بهذا القول، اختلفوا في "الذين من قبلنا" من هم؟ فقال السدي: هم النصارى؛ وبه قال الربيع، وقال مجاهد: هم أهل الكتاب.

وقال قتادة: هم الناس كلهم، وأولى هذه الأحوال بالصواب قول من قال: هم أهل الكتاب، وقال بعضهم: التشبيه عائد إلى أصل إيجاب الصوم، يعني: هذه العبادة كانت مكتوبة واجبة على الأنبياء والأمم، من لدن آدم إلى عهدكم، ما أخلى الله أمة من إيجابها عليهم، لا يفرضها عليكم وحدكم.

وفائدة هذا الكلام: أن الصوم عبادة شاقة، والشيء الشاق إذا عم سهل تحمله.

وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، أي: بالمحافظة على تلك الوظيفة، وتعظيمها لأصالتها وقدمها، أو لعلكم تتقون المعاصي, لأن الصائم أظلف لنفسه، وأردع لها من مواقعة السوء، أو لعلكم تنتظمون في زمرة المتقين, لأن الصوم شعارهم.

وقوله تعالى:

{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.

منصوب بمضمر من الفعل. كأنه قيل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، أن تصوموا {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، أي: موقتات بعدد معلوم، وفائدة وصفها بذلك، التسهيل على المكلف بأن هذه الأيام يحصرها العد، ليست بالكثيرة التي تفوت العد، وعنى الله تعالى بهذه الأيام المعدودات شهر رمضان ليس إلا, لأنه لم يأت خبر تقوم به حجة، بأن صومًا فرض على أهل الإِسلام غير صوم شهر رمضان، ثم نسخ بصوم شهر رمضان، وبأن الله تعالى قد بين في سياق الآية، أن الصيام الذي أوجبه جل ثناؤه علينا، هو صيام شهر رمضان دون غيره من الأوقات، بإبانته عن الأيام التي أخبر أنه كتب علينا صومها، بقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ}.

<<  <   >  >>