للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن التقدير: فإني أحب التوابين، فقال: {وَأَنَا التَّوَّابُ} أي: مرة بعد مرة، لمن كرّ على الذنب، ثم راجع، كرّة إثر كرّة {الرَّحِيمُ} لمن فعل ما يرضيني، وختم تعالى هذه الآية بهذين الاسمين الشريفين، ترغيبًا في التوبة، وإشعارًا بأن هاتين الصفتين هما له، فمن رجع إليه عطف عليه ورحمه، وأنه يقبل توبة التائبين بعد التفريط العظيم منهم.

ولما لعن تعالى الكاتمين، واستثنى التائبين، ذكر المصرِّين معبرًا عن كتمانهم بالكفر، لتعم العبارة كل كافر فقال:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢)}.

ظاهر هذه الآية العموم في حق كل من كان كذلك؛ وهو المشار إليه بقول أبي العالية وقتادة والسدي؛ كما رواه عنهم عبد بن حميد؛ وإليه ذهب ابن جرير فقال:

يعني تعالى ذكره بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} إن الذين جحدوا نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وكذبوا به من اليهود والنصارى، وسائر أهل الملل والمشركين من عبدة الأوثان، {وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ}، يعني: {وَمَاتُوا وَهُمْ} على جحودهم ذلك، وتكذيبهم محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ}، أي: أبعدهم الله وأسحقهم من رحمته، ولعنتهم الملائكة أجمعون.

وقال قتادة: يعني بقوله: {وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} المؤمنين؛ وبه قال الربيع؛ وقال أبو العالية: هذه اللعنة تكون يوم القيامة، حيث يقف الكافر على رؤوس الأشهاد، فيلعنه الكل.

ثم قال ابن جرير: والصواب: أن لعن جميع الناس إياهم، هو قولهم: لعن الله الظالم أو الظالمين، فإن كل أحد من بني آدم لا يمنع من قيل ذلك، كائنًا من كان، ومن أي ملة كان، فيدخل بذلك في لعنته كل كافر، كائنًا من كان. انتهى.

وبهذا يتحصل الجواب عما عساه يقال: وكيف تكون اللعنة على من مات

<<  <   >  >>