للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كافرًا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، من جميع الأمم، وأكثرهم ممن لا يؤمن به ولا يصدقه؟

وأما قول قتادة المخصص للناس بالمؤمنين؛ - (وقول الزمخشري متابعًا له، حيث قال: فإن قلت: ما معنى قوله {وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}؟ وفي الناس المسلم والكافر، قلت: أريد بالناس من يعتد بلعنه، وهم المؤمنون. انتهى) - فهو قول ظاهر التنزيل بخلافه، ولا برهان على حقيقته من خبر ولا نظر، فإن كان ظن أن المعني به المؤمنين، من أجل أن الكفار لا يلعنون أنفسهم ولا أوليائهم، فإن الله قد أخبر أنهم يلعنونهم في الآخرة، ومعلوم منهم أنهم يلعنون الظَلَمة، وداخل في الظلمة كل كافر بظلمه نفسه، وجحوده نعمة ربه، ومخالفته أمره.

وذكر تعالى لعنته لهم أولًا، ثم ثنى بالملائكة لما في النفوس من عظم شأنهم، وعلو منزلتهم وطهارتهم، ثم ثلث بالناس لأنهم من جنسهم، فهو شاق عليهم، لأن مفاجأة المماثل من يدعي المماثلة بالمكروه، أشق، بخلاف صدور ذلك من الأعلى.

وقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا} أي: في اللعنة، لا يخفف عنهم العذاب لاستعلاء اللعن عليهم، وإحاطته بهم. وهم لا {يُنْظَرُونَ}، أي: لا يمهلون، ولا يؤجلون، فالفعل مشتق من الإنظار؛ أو لا ينتظرون ليعتذروا، أو لا ينظر إليهم نظر رحمة، وفي الآية دليل على أنه لا يجوز لعن كافر معين، لأن حاله عند الوفاة لا تُعلم، فلعله يموت على الإسلام، وقد شرط الله في هذه الآية إطلاق اللعنة على من مات على الكفر.

ولما أفاض تعالى عليهم ما أفاض من بحار الحِجاج، وقرر ما أراد من شرائع الإسلام، وأرشد هذا السياق المذكور فيه ثواب المطيع، وعقاب العاصي، إلى أن التقدير فـ {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} لا شريك له يدافعه عما يريد، لا إله إلا هو المنتقم من أعدائه، العظيم في كبريائه، عطف عليه مكررًا الزاجر لكل منافق وفاجر، ومذكرًا بالعاطف لكل موافق مؤالف، قوله:

{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)}.

<<  <   >  >>