للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طلع الفجر، وقال الآخر: لم يطلع، فقال: اختلفتما، فأكل ولم يقض، وهو قول أحمد والثوري، وعبيد الله بن الحسن والشافعي، وأبي حنيفة في أحد قوليه.

وروي معناه عن أبي بكر، وابن عمر، وبه قال ابن عباس، وعطاء، والأوزاعي؛ ولفظ "التبين" يشعر أيضًا بجواز المباشرة إلى التبيين، فلا يجب عليه الاغتسال قبل الفجر، لأنه إذا كانت المباشرة مأذونًا فيها إلى الفجر، لم يمكنه الاغتسال إلا بعده.

وقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، بيان لغاية الصوم، وإشارة إلى أنه لا صوم في الليل، كما أنه لا فطر بالنهار، ومنه يؤخذ أن المواصل مجوع نفسه في غير طاعة ربه.

واعلم أنه من المقرر عند أكثر علماء العربية، أن الغاية، إن كان ما بعدها ليس من جنس ما قبلها، لم يدخل في حكم ما قبلها، {وَاللَّيْلِ} ليس من جنس النهار، فلا يدخل في حكمه، لكن من ضرورة تحقق علم انقضاء النهار، دخول جزء ما من الليل، فمن ثم كان هذا الجزء واجب الصوم.

قال الراغب: وفي الآية دليل على جواز النية بالنهار، انتهى.

وهذا الدليل ليس بظاهر، لأن المأمور به إتمام الصوم لا إنشاء الصوم، بل في ذلك إشعار بصوم سابق أمرنا بتتميمه، فلا تعرض في الآية للنية بالنهار.

وبعض من كتب في التفسير من الشافعية (١)، لما لم يتفطن لهذا قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} من الفجر {إِلَى اللَّيْلِ}، ثم قال: إنما قدرت في الآية الكريمة: "من الفجر"، ليدل على عدم جواز النية في النهار، في صوم رمضان، كما هو مذهب الشافعي، هذا كلامه.

ولقد أخطأ في ذلك، حيث قدر في كلام الله تعالى، ما لا حاجة إليه، ليجعل أصل إمامه أصلًا، والقرآن فرعًا له، وما جره إلى ذلك إلا فرط التعصب


(١) هو الخطيب الشربيني- رحمه الله.

<<  <   >  >>