للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهما: يدل على الإخبار بغيب، وهو أن من الحجارة ما هو قابل لأن يكون وقودًا الآن، والآية، وإن كانت مسوقة لتهويل أمر النار في الآخرة، إلا أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون كثير مما في الآخرة له نموذج في الدنيا، ولما كان الأمر كذلك، وكانت الحجارة الفحمية مخبوءة في خزائن الأسرار، حين نزول القرآن إلى أن ظهرت تلك الإشارة إلى الوجود، وأظهر لهم تعالى حجارة تقوم مقام الحطب في الاشتعال، ليزدادوا يقينًا بوعده تعالى ووعيده، {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٦٩)} [البقرة].

وثانيهما: أن المشركين لما قرنوا أنفسهم في الدنيا بالحجارة حيث نحتوها أصنامًا فعبدوها من دون الله تعالى، وقالوا: إنها الشفعاء والشهداء، الذين يستشفعون بهم، ويستدفعون بهم المضار عن أنفسهم تمسكًا بهم، جعلها تعالى عذابهم، فقرنهم بها محماة في نار جهنم إبلاغًا وإغرابًا في تحسرهم، وقد جاء هذا المعنى مفسراً في قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: ٩٨] والحصب هو: الوقود، وعلى طريق هذا المعنى قوله تعالى في الذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: ٣٥].

هذا وقد قارب المعنى الذي أشرنا إليه سابقًا، ما رواه ابن جرير الطبري، عن ابن عباس، وابن مسعود، وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:

أن الحجارة هي حجارة في النار من كبريت أسود. وبه قال ابن جريج.

والحجر الفحمي، يشبه الكبريت في كونه مشتعلًا، ويفارقه في اللون، ولا

مانع من أن تكون العرب وضعت لفظ الكبريت لكل حجر من شأنه الاشتعال، فيكون الحجر الفحمي منه.

وقوله: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}، أي: هيئت للجاحدين أن الله ربهم المتوحد

<<  <   >  >>