للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكره البيهقي؛ وروى أبو داود بإسناد جيد عن ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نهى عن طعام المتباريَين" (١)، ورواه أيضًا الحافظ المقدسي في "المختارة" بإسناد جيد.

وسيأتي مزيد على ذلك إن شاء الله تعالى في سورة المائدة.

وبقي هنا أن يقال: هذا الحكم في غير ذبائح أهل الكتاب، أما ذبائحهم فتحل لنا، لقول الله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] ولما كان شأن الاضطرار أن يشمل جمعًا من الخلق، أنباهم تعالى: بأن هذا الذي رفع عنهم من التحريم، لا يبرأ من كلية الأحكام، بل يبقى مع هذه الرخصة موقع للأحكام في الغي والعدوان، فقال: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} الآية.

أي: فمن حلت له ضرورة مجاعة، إلى ما حرمتُ عليكم من {الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}، وهو بالصفة التي وصفنا، {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} في أكله إن أكله، فقوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ} افتعل من الضرورة، و {غَيْرَ بَاغٍ} نصب على الحال من {فَمَنِ}، فكأنه قيل: من اضطر لا باغيًا ولا عاديًا فأكله، فهو له حلال.

وللمفسرين هنا أقوال كثيرة في معنى "غير باغ ولا عاد"، وكلها ترجع إلى التخصيص، وأولاها التعميم، فتشمل ما إذا كان الآكل مكرهًا على الأكل، والخارج على الأمة بسيفه باغيًا عليهم بغير جور، ولا عاديًا عليهم بحرب وعدوان، فمفسد عليهم السبيل، والذي يقطع الطريق، والخارج في معصية الله، والآكل من الميتة، وما عطف عليها, وله مندوحة عن أكلها، والمتعدي بأكله فوق ما لا بد منه، فكل أولئك لم يجز لهم أكل الميتة، فيفسر الاعتداء بكل معانيه المحرمة.

وقوله تعالى: {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} معناه: من أكل ذلك على الصفة التي وصفنا، فلا تبعة عليه في أكله ذلك كذلك، ولا حرج. وأبدى الحرالي هنا لطيفة،


(١) هو في "صحيح الجامع الصغير" ٦٩٦٥.

<<  <   >  >>