للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأتبع ذلك هذه الآية عاطفًا لها على ما ذكرته، على وجه أصرح مما تقدم في إثبات التوحيد، بيانًا لما هو الحق، وإشارة إلى أنه تعالى ليس كملوك الدنيا، الذين قد يحول بينهم وبين إثابة بعض الطائعين، وعقوبة بعض العاصين، بعض أتباعهم، فإنه واحد لا كفؤ له، بل ولا مداني، فلا مانع لنفوذ أمره؛ ولا يستنكر تجويز هذا العطف، لأنه جرت عادة البلغاء، أن أحدهم إذا أراد إقامة الحجة على شيء، لأمر يرتبه عليه، أن يبدأ بدليل كاف، ثم يتبعه تقريب الثمرات المجتناة منه، ثم يعود إلى تأكيده على وجه آخر، لتأنس به النفوس، وتُسَرّ به القلوب.

وربما كان الدليل طويل الذيول، كثير الشُّعب، فيشرح كل ما يحتاج إليه من ذيوله، وما يستتبعه من شعبه، فإذا استوفى ذلك، ورأى أن الخصم لم يصل إلى غاية الإذعان، أعاد له الدليل على وجه آخر عاطفًا له على الوجوه الأُول، تذكيرًا بما ليس بمستنكر، ذلك في مجاري عاداتهم، ومباني خطاباتهم. انتهى.

وهو تدقيق بديع، واستنباط حسن، وهنا إشارة ألطف، أبداها صاحب كتاب "مفتاح الباب المقفل" حاصلها: أنه لما كان مضمون الكتاب دعوة الخلق إلى الحق، والتعريف بحق الحق على الخلق، وإظهار مزايا المصطفين من الملائكة والأنبياء والرسل، ومن سار بسيرهم، واقتدى بهم، وإقامة الحجة بذلك على من دونهم في إلزامهم اتباعهم، وكان الضار للخلق إنما هو الشتات، كان النافع لهم إنما هو الوحدة، فلما أظهر لهم تعالى مرجعهم إلى أبوة آدم في جمع الذرية، ووحدة أبوة ابراهيم في جمع الإسلام، ووحدة أحمدية محمد - صلى الله عليه وسلم -، في جمع الدين، فاتضح لهم عيب الشتات والتفرق، وتحقق لهم شاهد النفع في الجمع إلى وحدات، كان ذلك آية على أعظم الانتفاع بالرجوع إلى وحدة الإلهية في أمر الحق، وفي إفهام ذلك وحدات ما بطن في ظاهر الوحدات الظاهرة، من وحدة الروح، ووحدة النفس والعقل، فقال تعالى عطفًا على ما ظهر بناؤه من الوحدات الظاهرة، وما أفاده إفهامها من الوحدات الباطنة: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} فإذا قبح الشتات مع وحدة الأب الوالد فكيف به مع وحدة أب الدين، فكيف به مع وحدة النبي المكمل، فكيف به مع وحدة الإله الذي هو الرحمن الرحيم. هذا ولما اطلع

<<  <   >  >>