للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بخلقهم، وخلق الذين من قبلهم؛ المشركين معه في عبادته الأنداد والآلهة، وهو المنفرد لهم بالإنشاء، والمتوحد بالأقوات والأرزاق.

ولما تكلم سبحانه في التوحيد والنبوة، تكلم بعدهما في المعاد، ولما كان من عادته سبحانه وتعالى في كتابه، أن يذكر الترغيب مع الترهيب، ويشفع البشارة بالإنذار إرادة التنشيط لاكتساب ما يقرب من رضائه تعالى، والتثبيط عن اقتراف ما يبعد عنه، فلما ذكر الكفار وأعمالهم، وأوعدهم بالعقاب، ذكر بعد ذلك بشارة عباده الذين جمعوا بين التصديق والأعمال الصالحة، من فعل الطاعات وترك المعاصي، قال:

{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٥)}.

لم يأمر تعالى بقوله: {وَبَشِّرِ} واحدًا بعينه، وإنما كل أحد مأمور به، والبشارة أصلها: الخبر بما يسر المخبر به، إذا كان سابقًا به كل مخبر سوى مخبره الأول. و {الصَّالِحَاتِ}: كل ما استقام من الأعمال، فصلح لترتب الثواب عليه، بدليل العقل والكتاب والسنة، ومعنى {الْجَنَّةَ} في اللغة: البستان من النخل والشجر المتكاثف، المظلل بالتفاف أغصانه، كأنه يستر ما تحته سترة واحدة، قال "زهير" (١):

كأنَّ عَينَيَّ في غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ ... مِنَ النَّواضحِ تَسْقي جَنَّةً سُحُقَا

شبه عينيه في تذارف الدموع بالغرب، وهي: الدلو العظيمة، والمقتل من الدواب: الذي ذل ومرن على العمل، والناضح: الجمل الذي يسقى عليه، وقوله: "تسقي جنة سحقًا"، معناه: نخل طوال.

ثم وصف الجنات بكونها تجري من تحتها الأنهار، إشارة إلى أن المراد بالجنة أشجارها وثمارها وغروسها، وأن الماء يجري تحت هذه المذكورات، ولم


(١) شرح ديوان زهير بن أبي سلمى لثعلب - مصر. الصفحة ٣٧.

<<  <   >  >>