للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخيل قد دلفت لها بخيلٍ ... تحيةُ بينهم ضَرْبٌ وَجيعُ (١)

ومعناه: ولهم عذاب مؤلم، فصرف مؤلم إلى أليم.

قال الضحاك: وكل شيء في القرآن من الأليم فهو الموجع.

وقوله: {بما كانوا يكذبون}، رمز إلى قبح الكذب وسماجته، وتخيل أن العذاب الأليم لاحق بهم من أجل كذبهم، في قولهم: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ}، وهذا المعنى يناسب قراءة "يَكْذبون" بفتح المثناة التحتية، وسكون الكاف، وهي قراءة معظم أهل الكوفة، وقرأ معظم أهل المدينة والحجاز والبصرة "يُكَذبون" بضم المثناة التحتية، وفتح الكاف، وكأنهم رأوا أن الله تعالى أوجب للمنافقين العذاب الأليم، بتكذيبهم نبيهم محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وليس هذا المعنى بجيد لما جرت سنة الله به في كتابه، أن يفتتح ذكر محاسن أفعال قوم، ثم يختم ذلك بالوعد على ما افتتح به ذكره من أفعالهم، ويفتتح ذكر مساوئ أفعال آخرين، ثم يختم ذلك بالوعيد على ما ابتدأ به ذكره من أفعالهم، وهنا أخبر الله عن المنافقين في أول الخبر عنهم في هذه السورة، بأنهم يقولون: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)} [البقرة: ٨]، وما كان قولهم هذا إلا خداعًا وكذبًا، فالواجب إعادة قوله: {بما كانوا يكذبون} إلى هذا،


(١) "الكتاب" لسيبويه ١/ ٣٦٥، ٤٢٩، و "الخزانة" ٤/ ٥٣ قال البغدادي: وهذا البيت نسبه شراح أبيات الكتاب وغيرهم إلى عمرو بن معد يكرب الصحابي ولم أره في شعره. انتهى. ونسبه لعمرو أبو زيد الأنصاري في "نوادره" ص ١٤٩ - ١٥٠، وفي "العمدة" لابن رشيق: ٢/ ٢٩٢ ومما يعد سرقًا وليس بسرَقٍ اشتراك اللفظ المتعارف، كقول عنترة:
وخيلٍ قد دلفت لها بخيلٍ ... عليها الأُسْدُ تهتصر اهتصارًا
وقول عمرو بن معد يكرب:
وخيل قد دلفت لها بخيلٍ ... تحية بينهم ضربٌ وجيع
والخيل: اسم جمع الفرس لا واحد له من لفظه، والمراد به الفرسان، وأراد بالخيل الأول: خيل الأعداء، وبالثاني: خيله، والضمير في "بينهم" للخيلين ودلفت: دنوت وزحفت. ووجيع: بمعنى موجع، يقول: إذا تلاقوا جعلوا بدلًا من تحية بعضهم لبعض الضرب الوجيع. وهذا على سبيل التهكم.
وينظر "زاد المسير في علم التفسير" ٢/ ٢٢٦، طبع المكتب الإسلامي.

<<  <   >  >>