للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قرن الله تعالى عقوق الوالدين بالشرك فيما رويناه (١) من طريق البُخاريّ ومسلم والترمذي، عن أبي بكرة رضي الله عنه، أنَّه قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، ثلاثًا" قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"، وكان متكئًا فجلس، فقال: "ألا وقول الزور، وشهادة الزور"، فما زال يكررها حتَّى قلنا ليته سكت.

ومن طريق البُخاريّ عن عبد الله بن عمرو، مرفوعًا: "الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النَّفس، واليمين المغموس".

ولما كان حق ذي القربى كالتابع لحق الوالدين، لأنَّ الإنسان إنَّما يتصل به أقرباؤه بواسطة اتصالهم بالوالدين، والاتصال بالوالدين مقدم على الاتصال بذي القربى لا جرم قد ذكر الوالدين، ثم عطف عليهما قوله {وذي القربى} ولا يخفى في هذا من القواعد التي يحتاج إليها العمران وذلك لأنَّ القرابة مظنة الاتحاد والألفة والرعاية والنصرة فلو لم يحصل شيء من ذلك لكان ذلك أشق على القلب وأبلغ في الإيحاش والضرر وكلما كان أقوى كان دفعه أوجب، فلهذا وجبت رعاية حقوق الأقارب.

ويدل لهذا المعنى، حديث الصحيحين عن أنس بن مالك أنَّه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سره أن يبسط عليه" وفي رواية "له في رزقه، وينسأ في أثره فليصل رحمه" ورواه البُخاريّ والترمذي، عن أبي هريرة بلفظ: "من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه" فبين - صَلَّى الله عليه وسلم -: أن صلة الرحم تكون سببًا من جملة أسباب بسط الرزق, أي: كثرته ووسعه، وسببًا في إنساء الأثر أي: تأخير الأجل.

وبيانه: أن الله تعالى ربط الأسباب بمسبباتها في هذا العالم، ولا يمكن


(١) الحديث متَّفقٌ عليه، واستعمل المؤلف - رحمه الله - هذا اللفظ إشارة منه إلى أنَّه يروي ما في الصحيحين والترمذي بالسند المتصل. وكذلك كان بعض علماؤنا يفعلون، اعتمادًا منهم على الإجازات التي أخذوها عن مشايخهم.

<<  <   >  >>