للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ثم عقبه بقوله: {هُدًى لِلنَّاسِ}، إشارة إلى أن الهدى محصور فيه، بحيث لا يوجد في غيره مما ابتدع، وفي غير ما جاء به الرسول، الذي أوتي القرآن، ومثله معه.

{وَبَيِّنَاتٍ}، أي: هو آيات واضحات مكشوفات، مما يهدي إلى الحق، ويفرق بين الهدى والغواية.

وقوله: {مِنَ الْهُدَى}، أي: الأعم الأتم، الشامل لكافة الخلق.

{وَالْفُرْقَانِ} الأكمل الفاصل بين الحق والباطل، وذلك أنه تعالى لما ذكر أنه {هُدًى لِلنَّاسِ}، وكان الهدى على قسمين، هدىً بينًا جليًا، وهدىً لا يكون بهذا الوصف، لا جرم اشرأبت النفس إلى معرفة هذا الهدى من أي الصنفين، فقال تعالى: {هُدًى لِلنَّاسِ} بيّنًا واضحًا فارق بين الهدى والغي، وبين الحقيقة والتمويه.

ولما أتم ما في ذكر الشهر من الترغيب من بعدما عينه، ذكر ما فيه من عزيمة ورخصة، فقال:

{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، أي: فمن [كان] (١) منكم شاهدًا، أي: حاضرًا مقيمًا غير مسافر في الشهر، فليصم فيه ولا يفطر.

وفي الإتيان بـ "من" الشائعة في العموم، إشارة إلى إلزام من رأى الهلال وحده بالصوم، و"من" واقعة على المكلف الذي يليق به الخطاب، فلا يدخل في عمومها الصبي والمجنون، لأنهما ليسا أهلًا للخطاب ولا للتكليف، ولفظ {الشَّهْرَ} محمول على جزء من أجزائه في جانب الشرط، وحلّ الكلام أن يقال: من شهد جزءًا من أجزاء الشهر فليصم الشهر كله، ولو حملنا الشهر على تمامه، لزم أن يكون شهوده لا يحصل إلا عند الجزء الأخير من الشهر، وهذا يقتضي بظاهر الآية، أنه لا يجب صوم الشهر إلى عند شهود الجزء الأخير منه، وهذا


(١) الزيادة من "الكشاف".

<<  <   >  >>