للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥)}.

فنفى عن قلوبهم الودُّ والمحبة لكلِّ ما يظهر به فضل المؤمنين.

والمعنى: {ما} يحب الكافرون {من أهل الكتاب ولا} مِنَ {المشركين} بالله مِن عبدة الأوثان، من أي نوع كان شركهم، بغضًا فيكم وحسدًا لكم، {أن ينزلَ عليكم من} الخير الَّذي كان الله ينزله عليهم، لأنَّ مخالفة الأعداء من الأغراض العظيمة للمتمكنين في الأخلاق الفاضلة من ذوي الأدوات الكاملة، فتمنى المشركون، وكفرةُ أهل الكتاب أن لا ينزل الله على المؤمنين الفرقان، وما أوحاه إلى محمد من حِكمه وآياته، وإنما أحب أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى وأتباعهم من المشركين، ذلك حسدًا منهم، وبغيًا على المؤمنين، وفي هذه الآية دلالة بينة على أن الله تعالى، نهى المؤمنين عن الركون إلى أعدائهم، من أهل الكتاب والمشركين، والاستماع مِن قولهم، وقبول شيء مما يأتونهم به على وجه النصيحة لهم منهم، باطلاعه جل ثناؤه على ما يستنبطه لهم أهل الكتاب والمشركون من الضغن والحسد، وإن أظهروا بألسنتهم خلاف ما هم مستنبطون.

ولما بين سبحانه ما يودون، أتبعه التعريف بأن له التصرف التام، رضي من رضي وسخط من سخط قال: {والله} أي: ما يودون، والحال أن الله {يختص برحمته من يشاء}، فيختص من شاء بنبوته ورسالته، فيرسله إلى من يشاء من خلقه، فيتفضل بالإيمان على من أحب فيهديه به، واختصاصه إياهم بها إفرادهم دون غيرهم من خلقه، وإنما جعل سبحانه رسالته إلى من أرسل إليه من خلقه، وهدايته من هدى من عباده، رحمة منه فيصيّره بها إلى رضائه ومحبته، وفوزه بها بالجنّة، واستحقاقه بها ثناؤه، وكل ذلك رحمة من الله له.

ولما كان ذلك ربما أوهم أنَّه إذا فعله لم يبق من رحمته ما يسع غير المختص، نفاه بقوله: {والله ذو الفضل العظيم} الَّذي لا يحصر بحد، ولا يدخل تحت عد.

<<  <   >  >>