وقوله:{وَرَحْمَةٌ} يعني {و} لهم مع المغفرة - التي بها صفح عن ذنوبهم، وإخراج لهم من الظلمات إلى النور- {رَحْمَةٌ} من الله ورأفة، ومعنى الصلاة والرحمة متقارب، وإنما جمع بينهما عليهم رأفة بعد رأفة، ورحمة أيّ رحمة.
ثم أخبر تعالى- مع الذي ذكر أنه معطيهم على اصطبارهم على محنه، تسليمًا منهم لقضائه من المغفرة والرحمة - أنهم {هُمُ الْمُهْتَدُونَ} المصيبون طريق الحق، والقائلون ما يرضي الله عنهم، والفاعلون ما استوجبوا به من الله الجزيل من الثواب.
قال ابن عباس: أخبر الله أن المؤمن إذا أسلم الأمر إلى الله، ورجع واسترجع عند المصيبة، كتب له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله، والرحمة، وتحقيق سبيل الهدى.
وقال عمر بن الخطاب في ختم هذه الآية: نعم العدلان، ونعمت العلاوة، فالعدلان: الصلاة والرحمة، والعلاوة: الهداية.
واعلم أن الأحسن في قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} أن يفسر بالصبر مطلقًا بلا تقييد، ليكون المعنى:{وَبَشِّرِ} كل من صبر صبرًا محمودًا شرعًا، لأن حقيقة الصبر، تعارض العقل والشهوة في شيء، فلذلك كان له أسماء يرجع معانيها إلى الصبر:
فإن كان عن شهوة الفرج والبطن سمي: عفة.
وإن كان عند المصيبة سمي: صبرًا. وضده: الجزع.
وإن كان في الغنى سمي: ضبط النفس. وضده: البطر.
وإن كان في الحرب سمي: شجاعة. وضده: الجبن.
وإن كان في نائبة مضجرة سمي: سعة صدر. وضده: الضجر.
وإن كان في إخفاء كلام، سمي: كتمانًا. وضده: الإعلان.