للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فرضنا الكواكب الثابتة، ودائرة البروج على مثل زحل، وتعلق نفس واحدة بمجموع الأفلاك وحركتها بالحركة اليومية، ويتحرك ممثل زحل بحركته الذاتية، أمكن انحصار التسعة بسبعة، لكن إنما يصح هذا لو لم يفرض زحل في البعد إلا بعدًا أصلًا، أو لم يوجد الكوكب من الثوابت معتد به القدر في حول أوج زحل، هذا خلف، فإن قيل: لو فرض المحل من جرم الممثل فوق أوج زحل للكواكب الثابتة، لصح الرأي المذكور، قلنا: ارتكاب هذا التمحل خروج على قاعدة الفن، ولما كانت هذه القضايا مما تحار فيه العقول، ولا يمكن إدراكها إلا بإعلام من اللطيف الخبير، وكان الخلق على هذه الكيفية، دالًا بالبديهة على أتم قدرة لصانعه، وكان العلم بأن مبنى ذلك على العلم محتاجًا إلى تأمل، اعتنى في مقطع الآية بقوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

ولما ذكر الحياة والموت المشاهدين، تنبيهًا على القدرة على ما اتبعهما به من البعث، ثم دل ذلك أيضًا بخلق هذا الكون كله على هذا النظام البديع، وختم ذلك بصفة العلم، ذكر ابتداء خلق هذا النوع البشري المودع من صفة العلم ما ظهر به فضله بقوله تعالى:

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)} [البقرة: ٣٠].

إذ من البداءة تعلم العودة لمن تدبر هذا، إذا قدرنا، {وَإِذْ} عطفًا على قوله: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: ٢١]، وبيانًا لقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ويجوز أن تكون {إِذْ}، متعلقة بفعل محذوف تقديره: واذكر، والمناسبة على هذا أنه تعالى لما خاطبهم خطابًا على سبيل الاستفهام الإنكاري بقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} [البقرة: ٢٨]، ذاكرًا اسمه تعالى "الله" وأتبعه بعض ما له منكرون أو به جاهلون، وأشار بقوله: {لَكُمُ}، إلى أنه لم يخلق هذا النوع البشري للفناء بل للبقاء، بما أبان عن أنه إنما خلق جميع ما في هذه الأكوان لأجلهم، فالبعض رزق لهم،

<<  <   >  >>