للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفرّق القرآن أيضًا بين السماء وبين الفلك فقال: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)} [الأنبياء: ٣٣] ولم يقل كل في سماء، ثم إن الكتاب لم يبين جنس السماء، ولا أنها جسم مركب أو غير مركب، غاية الأمر أنه ذكر أنه خالق للعلو كما أنه خالق لما تحته فكيف يعترض المعترضون بأن لا وجود للأفلاك كليًا، ويطلقون الأفلاك على السماوات، ثم ينكرونها، وما ذلك إلا لعدم علمهم باللغة العربية وشغفهم بالتحكك بالكتاب الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: ٤٢]، ثم إن قولهم: إن الكواكب تدور بحركتها اللازمة على مدار موهوم، هو معنى قوله تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، لأن مدار النجوم يسمى فلكًا، والمدار مصدر بمعنى الدوران، فسمى الله تعالى مدار النجوم أو دورانها فلكًا، ولا يضرنا بعد ذلك، أن يكون المدار موهومًا أو محققًا، على أنهم استفادوا كلامهم من القرآن، ثم اعترضوا به عليه. وبيانه: أن السبح في لغة العرب الفراغ، وقال أهل اللغة: {وَالسَّابِحَاتِ} [النازعات: ٣] النجوم تسبح في الفلك، أي: تذهب فيه بسطًا، كما يسبح السابح في الماء سبحًا، فشبه الله تعالى سير النجوم بالسابح الذي يسبح في الماء، وهذا عين ما اختاروه، ثم قلبوا العبارة واعترضوا بها، وما حملهم على هذا إلا خلط الاصطلاحات بعضها ببعض.

ثم إن قولهم في الاعتراض الثاني: إنا لو سلمنا أن المراد بالسماوات السبع: السيارات، لانتقض الحصر بالهرشل، مدفوع أيضًا بأننا نتنزل معهم في البحث، ونقول: إن السماوات عبارة عن السيارات السبع، ولكن انتقاض الحصر ليس بلازم لنا، لأن العدد لا مفهوم له، ولو سلمنا أن له مفهومًا، ولكن الكتاب العزيز لم يقتصر على ذكر السبع بل زاد عليها اثنين، وهما الكرسي والعرش، وهما عند الحكماء مما يطلق عليهما لفظ الفلك، فإذا انضما إلى السبعة، صارت تسعة وهم إلى الآن لم يكتشفوا الثامن من بعد ألوف من السنين، ونحن ندعهم حتى يكتشفوا التاسع بعد دهر، وهناك يذعنون لنا.

هذا، وقد حاول الطوسي الجمع من وجه آخر، فقد قال العلامة "الشيرازي" في "التحفة الشاهية": سمعت العلامة "الطوسي" يقول حين قرأت الهيئة منه: إذا

<<  <   >  >>