للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطواف، لا على كيفية ولا عدد، غير أن الأحاديث الصحيحة هي التي تعين ذلك، ولها محل تذكر فيه، وليس هنا محل استقصائها (١).

ولما تقدم أن بعض أهل الكتاب يكتمون ما يعلمون من هذا الحق، وختم ما أتبعه له بصفتي الشكر والعلم، ترغيبًا وترهيبًا بأنه يشكر من فعل ما شرعه له، ويعلم من أخفاه، وإن دق فعله، وبالغ في كتمانه، انعطف الكلام إلى تبكيت المنافقين منهم والمصارحين، ولعنهم على كتمانهم ما يعلمونه من الحق، إذ كانت هذه كلها في الحقيقة قصصهم، والخروج إلى غيرها، إنما هو استطراد على الأسلوب الحكيم المبين، لأن هذا الكتاب هدى.

وكان السياق مرشدًا إلى أن التقدير بعد قوله {شَاكِرٌ عَلِيمٌ}، ومن أحدث شرًا فإن الله عليم قدير، فوصل به استئناف قوله على وجه يعمهم وغيرهم:

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩)}.

فقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} بيان لجزائهم، وبقوله: {مَا أَنْزَلْنَا} انتظمت هذه الآية في ختمها لهذا الخطاب، بما مضى في أوله من قوله: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٤٢] فكانت البداية خاصة، وكان الختم عامًا، ليكون ما في كتاب الله أمرًا، على نحو ما كان أمر محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن تقدمه من الرسل خلقًا، لينطبق الأمر على الخلق بدءًا وختمًا انطباقًا واحدًا، فعم كل كلام من الأولين (٢) والآخرين، قاله الحرالّي.

فقوله: وكان الختم عامًا، هو ما يدل عليه سياق الكلام، من أن الآية تتناول كل من كتم شيئًا من الدين؛ وهو أولى مما يقوله كثير من المفسرين، من أنها نزلت في اليهود خاصة، ومن أنها نزلت في اليهود والنصارى، وذلك لأن اللفظ عام، والعارض الموجود، وهو نزوله عند سبب معين، لا يقتضي الخصوص، لأن


(١) "حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -" صفحة ٥٩ - ٦٠، طبع المكتب الإسلامي.
(٢) الأصل: (الآخرين) والتصحيح من "نظم الدرر" للبقاعي ٢/ ٢٧٣.

<<  <   >  >>