للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولأن جماعة من الصحابة حملوا هذا اللفظ على العموم، فقد أخرج البخاري وابن ماجه، والحاكم وابن سعد، وعبد بن حميد وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي هريرة قال: "لولا آيتان من كتاب الله، ما حدثت حديثًا بعد أن قال الناس: أكثر أبو هريرة"، وفي لفظ: "ما حدثت أحدًا بشيء أبدًا"، ثم تلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} الآية.

وقال ابن جرير: وهذه الآية، وإن كانت نزلت في خاص من الناس، فإنها معني بها كل كاتم علمًا فرض الله بيانه للناس، وذلك نظير الخبر الذي روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار" انتهى.

قلت: والحديث أخرجه أبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس، بلفظ: "من سُئل عن علم فكتمه، جاء يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار" (١). ورواه أيضًا الترمذي وابن ماجه، وعبد بن حميد والحاكم، عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظه، إلا أنه قال: "من سُئل عن علم عنده". ورواه ابن ماجه عن أنس بنحوه، والطبراني عن ابن مسعود مرفوعًا.

وقوله تعالى: {مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} أريد بـ {الْبَيِّنَاتِ} التي لا يحتاج سامعها المجرد عن الهوى في فهمها إلى شيء معها، و {وَالْهُدَى} هو: الذي من شأنه أن يقود من أحسه (٢) إلى صراط مستقيم، ولما كان المراد الترهيب من الكتمان في وقت ما ولو قَلّ، أثبت الجارَّ فقال: {مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ} أي: الذين هم في أدنى طبقات المخاطبين، وفيه تبكيت عظيم لبني إسرائيل، فإنهم من أعظم المقصودين بذلك، لكتمانهم ما عندهم.


(١) هو في "صحيح الجامع الصغير" ٦٢٨٤.
(٢) كذا في بعض نسخ البِقاعي، وفي نسخة الظاهرية منها: "أحبه" ورجحها محقق البقاعي ٢/ ٢٧٤.

<<  <   >  >>