للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالمشركين من جعل سندًا واعتقد فعلًا لغيره، على غير طريقة الكسب، والمجوس لاحقون بأهل الشرك، والشرك أكثر هذه الطرق تشعبًا، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "الشرك أخفى من دبيب النمل" (١). ومن فعل أفعال من ذكره، ولم ينته به الأمر إلى مفارقة دينه، والخروج في شيء من اعتقاده، خيف عليه أن يكون ذلك وسيلة إلى اللحوق بمن تشبه به، ولهذا قال عليه السلام: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا أوعد أخلف، وإذا خاصم فجر" (٢). إلى أشباه هذا من الأحاديث.

ولما بيّن سبحانه وتعالى كفر أهل الكتاب، الطاعنين في نسخ القبلة بتكذيب الرسول، وكتمان الحق، وغير ذلك، أتبعه الإشارة إلى أن أمر الفروع أخف من أمر الأصول؛ لأن الفروع ليست مقصودة لذاتها، وإنما المقصود بالذات الإيمان, فإذا وقع تبعته جميع الطاعات، فقال:

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧)}.

اختلف المفسرون في تأويل قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ} فقال ابن عباس: هو الصلاة، يعني {لَيْس الْبِرَّ} الصلاة وحدها، {وَلَكِنَّ الْبِرَّ} الخصال التي أبينها لكم.

وقال مجاهد: {الْبِرَّ} ما ثبت في القلوب من طاعة الله، كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} الآية، وقال ابن عباس: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ} تصلّوا ولا تعملوا غير ذلك.


(١) هو في "صحيح الجامع الصغير" ٣٧٣٠ و ٣٧٣١.
(٢) هو في "صحيح الجامع الصغير" ٨٨٩ و ٨٩٠.

<<  <   >  >>