للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد ذلّل نفسه لاحتمال المشقة فيما عداها من العبادات، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: ٤٥].

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} يعني: في النصر لهم، فكأنه ضمن لهم إذ هم استعانوا على طاعته {بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}، أن يزيدهم توفيقًا وتسديدًا وإلطافًا.

ثم قال تعالى:

{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة: ١٥٤].

وجه تعلق هذه الآية بما قبلها، كأنه قيل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} في إقامة ديني، فإن احتجتم في تلك الإقامة إلى مجاهدة عدوي بأموالكم وأبدانكم، ففعلتم ذلك، فَتَلِفَتْ نفوسكم، فلا تحسبوا أنكم ضيعتم أنفسكم، بل اعلموا أن قتلاكم {أَحْيَاءٌ} عندي.

قيل: إن هذه الآية نزلت في قتلى بدر.

وقيل: إن الكفار والمنافقين قالوا: إن الناس يقتلون أنفسهم طلبًا لمرضاة محمد من غير فائدة، فنزلت.

والصحيح عندي: أن هذه الآية مرتبطة بما قبلها، وبينهما التناسب الذي ذكرنا، فإن صح سبب نزولها فهو عارض لا أصلي.

وهذه الآية تدل على أن الشهداء {أَحْيَاءٌ} حياة لا شعور لنا بها، كما قال تعالى: {وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} أي: أنها ليست مما يُشعر به بالمشاعر الظاهرة من الحياة الجسمانية، وإنما هي أمر روحاني لا يدرك بالعقل بل بالوحي.

وقوله: {وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} يشير إلى أن حياة الشهداء عند ربهم أكمل من

<<  <   >  >>