للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم بين تعالى كفر الشياطين بقوله: {يعلمون الناس السحر} أي: الَّذي ولدوه هم بما يزينونه من حاله ليعتقد أنَّه مؤثر بنفسه ونحو ذلك، كما أن الأنبياء وأتباعهم يعلمون الناس الحق بما يتبينونه من أمره.

واختلف المفسرون في سبب كفر الشياطين هنا فقيل: هو بتعليم السحر، وقيل: تعلمهم به، وقيل: بتكفيرهم سليمان عليه السلام، وظاهر الآية يقتضي أنهم إنما كفروا لأجل أنهم كانوا يعلمون الناس السحر، لأنَّ ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلّية، وتعليم ما لا يكون كفرًا لا يوجب الكفر، فصارت الآية دالة على أن تعليم السحر كفر، وعلى أن السحر أيضًا كفر.

ومن لا يسلّم بأن قاعدة ترتيب الحكم على الوصف تفيد العلية، يقول: إنهم كفروا، وهم مع ذلك يعلمون الناس السحر، فيجعل جملة {يعلمون} في موضع الحال من الضمير في {كفروا}، وصاحب القول الأول يجعل الجملة بدلًا من {كفروا} بدل الفعل من الفعل، واختار أبو حيان في "البحر" و "النهر" أنها استئناف إخبار.

وعلى كل فكفر الشياطين لم يكن لأجل السحر، بل لأجله مقترنًا به قصد الإغواء والإضلال، لأنَّ سياق الآية يدل على أنهم إنما فعلوا ذلك إضلالًا للقوم، لينفوا نبوة سليمان عليه السلام، وليبدلوا ما جاء في شرعه بما لفقوه من السحر والمحال، فلا يقال: لو كان تعليم السحر كفرًا لكفرت الملائكة الذين كانوا ببابل، مع أن الملائكة معصومون.

وقوله تعالى: {وما أنزل على الملكين}، عطف على السحر، أي: ويعلمونهم ما أنزل الله على الملكين، وظاهر العطف التغاير، فلا يكون ما أنزل على الملكين سحرًا، وقيل: هو معطوف على {ما تتلوا الشياطين} والمعنى: واتبعوا ما تتلوا الشياطين والذي أنزل، وظاهره أن ما علموه للناس أو ما اتبعوه هو منزل، ومن ثم قال الحرالي: فيه إنباء بأن هذا التخييل ضربان: مودع في الكون، وهو ما علمته الشياطين؛ ومنزل من غيب، وهو المتعلم من الملكين، انتهى.

<<  <   >  >>