للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالوا الطبيعة معلومنا ... ونحن نبين ما حدها

ولم يعرفوا الآن ما قبلها ... فكيف يرومون ما بعدها

ونحن ننتظرهم حتى ينتقلوا من الخطأ إلى الصواب، وقد صار لهم ألوف من السنين وهم في اختباط حتى قرنوا المادة بالقوة، وعساهم أن يهتدوا إلى الحق، فيجعلوا تلك القوة هي قدرة خالق الأكوان المبدع للمادة، ولما يتآلف منها، فتكون فلسفتهم قد نجحت، واهتدوا بعد أن حاروا ألوفًا من السنين.

وكأنك بالقرآن يعجب من حيرتهم وخبطهم في دياجير الظلام، ويناديهم: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} الذي هو الخالق للمادة، والمفيض عليها القدرة التي تدعونها، والخصائص، التي تكتشفونها، {وَكُنْتُمْ} أي: كانت الذرات التي تبحثون عنها أمواتًا عدمًا لا وجود لها مع الشمس، ولا مع انفصال الأرض عنها، ولا وجود لها أيضًا مطوي، بل هو الذي أحياكم بإحياء تلك الذرات، وأمره لها بالانضمام والنمو، وبيده النشأة الأولى، ثم هو الذي يميتكم بسلب السر الذي كانت به تلك الذرات متماسكة تدب فيها الحياة، ويعاون بعضها بعضًا فتنحل وتتبدد، {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} إذا شاء للمعاد، وليريكم حقائق ما أنتم مختلفون فيه الآن، فيقول المقلدون لكم: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧)} [الأحزاب]، {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فتعلمون أنه لا فاعل سواه، وأن المادة مخلوقة له، وأن هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، فرجوعكم إليه في الدنيا بعد أن تفنى مزاعمكم، وتقفون عندما يتجلى لكم العلم الصحيح، قائلين: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران: ١٩١]، لأنكم لا يأتي زمان إلا ويتغير ما انتحله أهل الزمان الأول، وهذا طريق الرجوع إليه تعالى، ورجوعكم في الآخرة ليبدل لكم الشك باليقين، والظن بالحقائق، ولو أنكم تبعتم الرسل فيما جاؤوا به، لكفيتم عناء التعب، ولوقفتم على اليقين من أول الأمر، فهذا من بعض ما ترمي إليه هذه الآية الكريمة، وتنادي بإبطال القول بالصدفة، والقول بأن البشر كان حيوانًا ثم ترقى بالتدريج، كما ذهب إليه أستاذكم داروين، الذي

<<  <   >  >>