للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلها، لا بد لها من بناء أساس لها أولًا، وأنه ما من شيء ركب على غير أساس إلا انهار وتلاشى، وأعلمنا أيضًا بقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى}، إلى أنه تعالى لم يخلق هذا الخلق عبثًا، ولا أنه كان بطريق التصادف، كما يزعم الماديون، بل كان هذا الخلق قصدًا منه تبارك وتعالى، ومن هنا قال كثير من المفسرين، كابن كثير، وغيره: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}، أي: قصد، والاستواء ههنا مضمن معنى القصد والإقبال، لأنه عدي بـ "على"، يعني في غير هذه الآية. وقال الربيع بن أنس فيما أسنده عنه ابن جرير الطبري في تفسيره: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} يقول: ارتفع إلى السماء، انتهى. ومراده بالعلو هنا علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال، والمراد بالسماء جهة العلو كما بيناه سابقًا، فهي بمعنى الجنس، فلذلك أعيد إليها ضمير الجمع، بقوله: {فَسَوَّاهُنَّ}، وقال جملة من المفسرين: الضمير في {فَسَوَّاهُنَّ} مبهم، و {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} تفسير له، كقول القائل: رُبَّهُ رجلًا، وفائدته: أن المبهم إذا تبين كان أفخم وأعظم من أن يبيَّن أولًا، لأنه إذا أبهم تشوقت النفوس إلى الاطلاع عليه، وفي البيان بعد ذلك شفاء لها بعد التشوق، وهذا ما اختاره صاحب الكشاف وذيّله بقوله: وهو الوجه العربي، والتسوية: إعطاء أجزاء الشيء حظه لكمال صورة ذلك الشيء ... والمعنى والله أعلم: ثم أعطى كل جزء من السماوات حظها من اكتمال صورتها، وترتيب نجومها، وتسييرها حتى صارت على هذا النظام البديع، والخلق المحكم، ومن المعلوم: أن هذه الآية واردة على جهة تعديد النعم، على أن خلق الأرض مقدم على خلق السماء، ولا على العكس، بل مثالها مثال قول الرجل لغيره: قد أعطيتك النعم العظيمة، ثم رفعت قدرك، ثم دفعت الخصوم عنك، ولعل بعض ما أخره في الذكر قد تقدم في الوجود، وسيأتي لهذا مزيد بيان في محالّه من هذا الكتاب.

هاهُنا للمفسرين أقوال ينقلها بعضهم عن السلف، وقد شحنوا بها كتبهم، لا ينبغي لعاقل أن يعول عليها، مثل قولهم فيما حكاه ابن جرير، وتبعه كثير ممن ينقل الكلام على علاته: أن الله خلق الأرض على حوت، وهو المراد بقوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ} هو الحوت في الماء، والماء على ظهر صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على صخرة والصخرة في الريح. وكقولهم: إن الأرض على

<<  <   >  >>