للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم، تهويلًا للأمر وتنبيهًا على أنه يكفي العاقل في الحث على ملازمة الطاعة، ظن لقاء الملك المطاع المرجو المخوف، فكيف والأمر متيقن لا مراء فيه، ولا تطرق للريب إليه؟ ! ويجوز أن يراد ظن الموت في كل لحظة، فإنه إذا كان على ذكر من الإنسان أوجب له السعادة، والمراد من الرجوع إلى الله تعالى، الرجوع إلى حيث لا يكون لهم مالك سواه، وأن لا يملك لهم أحد نفعًا ولا ضرًا غيره، كما كانوا كذلك في أول الخلق، فجعل مصيرهم إلى مثل ما كانوا عليه، أولًا رجوعًا إلى الله، من حيث كانوا في سائر أيام حياتهم قد يملك غيره الحكم عليهم، ويملك أن يضرهم وينفعهم، وإن كان تعالى مالكًا لهم في جميع أحوالهم.

ولما كان الغالب على أكثر الناس الجمود، كرر النداء لهم مبالغة في اللطف بهم إثر التوجيه والتخويف، فقال:

{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (٤٧)}.

أي: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ}، الذي أكرمته وأكرمت ذريته من بعده بأنواع الكرامة، {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ}، ثم فخم أمر تلك النعمة بقوله: {الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}، بإنزال الكتب، وإرسال الرسل، {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ} فزدتكم من حظوة جانب القرب والرفعة، فيما يقبل الزيادة والنقصان منه {عَلَى الْعَالَمِينَ}، وهم: من كان قد برز إلى الوجود في ذلك الزمان بالتخصيص بذلك دونهم، ولا يدخل في هذا من لم يكن برز إلى الوجود في ذلك الزمان، وكذلك كل تفضيل يقع في الكتاب والسنة، وذلك لأن العالم من شمله الوجود، لا ما أحاط به العلم بعد، لأن ذلك لم يرفع علم وجوده في الشهود، وفيه إشعار بأنهم كما فضلوا هم على عالمي زمانهم فليس ذلك بمقصور عليهم، بل كذلك يفضل المسلمون في زمان نبوتهم على بني إسرائيل، وعلى جميع الموجودين في زمانهم.

وهذا أولى من قول العلامة صاحب الكشاف: {عَلَى الْعَالَمِينَ}: على الجم الغفير من الناس، كقوله تعالى: {بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (٧١)} [الأنبياء: ٧١]، يقال: رأيت عالمًا من الناس، ويراد الكثرة، ثم إنه من المعلوم أن جميع ما

<<  <   >  >>