للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالوا ذلك؟ فكأنه قال: الجواب: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}، أي: بلاد المشرق والمغرب والأرض كلها، {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} من أهلها {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وهو ما توجبه الحكمة والمصلحة من توجيههم تارة إلى بيت المقدس، وأخرى إلى الكعبة.

قال صاحب "البحر": قد أكثر المفسرون وغيرهم الكلام، في الحكمة التي كان لأجلها تحويل القبلة، بأشياء لا يقوم على صحتها دليل، وعللوا ذلك بعلل لم يشر إليها الشرع، قال: ومن طلب للوصفيات تعاليل، فأحرى بأن يقلَّ صوابه، ويكثر خطؤه.

وأما ما نص الشرع على حكمته، أو أشار، أو قاد إليه النظر الصحيح، فهو الذي لا معدل عنه، ولا استفادة إلا منه، انتهى.

وقد لاح لي احتمال في حكمة استقبال الكعبة على وجه الخطور بالبال، وهو أنه: لما كان مطلع شمس النبوة المحمدية من مكة، وكان هناك مبدأ الشريعة الأحمدية، ومشرق أنوارها، لا جرم أمر الله المؤمنين بالتوجه إلى تلك الجهة في أعظم عباداتهم، وهي الصلاة، ليكونوا متذكرين تلك النعمة فلا ينسونها، ويحمدون الله عليها بقولهم في افتتاحها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وليظلوا متذكرين أن هذا الدين المبين، من هناك نشأته، ومن تلك البقاع مبدؤه، فيزدادون حبًا لمن أتى به، على وجه يقتدون به في أفعاله وأقواله، والله أعلم.

ولما بين استقامة القبلة التي وجههم إليها، عرف أنها وسط لا جور فيها، فأتبع ذلك قوله:

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣].

الكاف للتشبيه، و"ذا" اسم إشارة، والمشار إليه ما تضمنه قوله: {يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}. أي: ومثل ذلك الجعل العجيب {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} شبه جعلهم أمة وسطًا، بجعلهم على الصراط المستقيم؛ أي: {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، مثل ذلك

<<  <   >  >>