للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا}، ليس المراد منه الأكل خاصة، لأن غير الأكل من التصرفات، كالأكل في هذا الباب، لكنه لما كان المقصود الأعظم من المال، إنما هو الأكل، وقع التعارف فيمن ينفق ماله، أن يقال: إنه أكله فلهذا السبب عبر تعالى عنه بالأكل.

وأما قوله: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} فإنه يعني: ولا تخاصموا بها، يعني: بأموالهم إلى الحكام، {لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا} طائفة {مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ}، يعني: بالحرام الذي حرمته عليكم، {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: تعمدون أكل ذلك بالإثم، على قصد منكم، إلى ما حرم الله عليكم منه، ومعرفة بأن فعلكم ذلك معصية الله وإثم.

قال ابن عباس: هذه الآية في الرجل، يكون عليه مال، وليس عليه فيه بيّنة، فيجحد المال، فيخاصمهم فيه إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، وهو يعلم أنه آثم، آكل حرامًا، والحاكم لا يحل حرامًا، ولا يحرم حلالًا، وإنما يقضي على نحو ما يسمع، وأصل الإدلاء، إرسال الرجل الدلو في البئر بسبب متعلقًا به في البئر (١)، فقيل للمحتج بدعواه: أدلى بحجته، إذا كانت حجته التي يحتج بها سببًا له، هو به متعلق في خصومته، كتعلق المستقي من بئر بدلو قد أرسلها فيها، بسببها الذي الدلو بها متعلقة. يقال فيهما جميعًا- أعني من الاحتجاج ومن إرسال الدلو في البئر بسبب-: أدلى فلان بحجة، فهو يدلي بها إدلاء، وأدلى دلوه في البئر، فهو يدليها إدلاء.

وتشمل هذه الآية صرف المال في الباطل، سواء كان مال نفسه، كأن يصرفه في القيان، والقمار، والبطالة، وما شاع في هذا الزمان، من (التياترو) (٢)، وأنواع الملاهي التي لا يجوّزها الشرع؛ أو مال غيره، بأن تحيّل على أخذ مال غيره، بتلك الملاهي، وبالغش والخداع، ونقص الكيل والميزان، والغصب والنهب والرشوة، وأكل مال اليتيم.


(١) عبارة الطبري: "إرسال الرجل الدلو في سبب متعلقًا به في البئر" والسبب: الحبل.
(٢) أي المسرح الذي تمثل عليه الروايات وما إليها.

<<  <   >  >>