ذلك ورده، فصلح بذلك ما بينه وبين ورثته، {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} عن الموصي إذا عملت فيه الموعظة، ورجع عما أراد من الأذية، {رَحِيمٌ}، به.
وقيل: يراد بالخوف هنا العلم، والعلاقة بين الخوف والعلم، حتى أطلق على العلم الخوف، [و] أن الإنسان لا يخاف شيئًا حتى يعلم أنه مما يخاف منه، فهو من باب التعبير عن السبب بالمسبب.
ويرد على التفسير الأول أن يقال: إنما يصح في أمر مرتبط، والوصية قد وقعت، فكيف يمكن تعليقها بالجواب؟
ويجاب عنه: بأن المصلح إذا شاهد الموصي يوصي، فظهرت منه أمارات الجنف، أو التعدي بزيادة غير مستحق، أو نقص مستحق، أو عدل عن مستحق، فأصلح عند ظهور الأمارات, لأنه لم يقطع بالجنف والإثم، فناسب أن يعلق بالخوف, لأن الوصية لم تمض بعد، ولم تقع. أو علق بالخوف وإن كانت قد وقعت, لأنه له أن ينسخها أو يغيرها بزيادة أو نقصان، فلم يصر الجنف والإثم معلومين, لأن تجويز الرجوع يمنع من القطع. أو علق بالخوف، وإن كانت الوصية استقرت ومات الموصي، يجوز أن تقع بين الورثة والموصى لهم مصالحة، على وجه يزول به الميل والخطأ، فلم يكن الجنف ولا الإثم مستقرًا، فعلق بالخوف، والجواب الأول أقوى.
والجنف: الميل في الأمور، وأصله العدول عن الاستواء، والفرق بينه وبين الإثم، أن الجنف هو الخطأ حيث لا يعلم به، والإثم هو العمد، والظاهر أن هذا المصلح هو الوصي، الذي لا بد منه في الوصية، وقد يدخل تحته الشاهد؛ وقد يكون المراد منه من يتولى ذلك بعد موته، من والٍ، أو ولي، أو وصي، أو من يأمر بالمعروف، فكل هؤلاء يدخلون تحت قوله تعالى:{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ}، إذا ظهرت لهم أمارات الجنف والإثم في الوصية، أو علموا ذلك، فلا وجه للتخصيص هنا، بل الوصي والشاهد أولى بالدخول تحت هذا التكليف, لأن بهم تثبت الوصية، فكان تعلقهم بها أشد.
وإلى هذا يشير ما أخرجه عبد الرزاق عن الثوري، قال: "بلغنا أن الرجل كان