للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)}.

الاستهزاء في كلام العرب: إظهار المستهزئ للمستهزأ به، من القول والفعل ما يرضيه ويوافقه ظاهرًا، وهو بذلك من قوله وفعله، مورثه مساءةً باطنًا، وكذلك معنى الخداع والسخرية والمكر، وحيث إن هذا معنى الاستهزاء، وكان الله تعالى قد جعل لأهل النفاق في الدنيا من الأحكام، بما أظهروا بألسنتهم من الإقرار بالله ورسوله، وبما جاء به من عند الله المدخل لهم في عداد من يشمله اسم الإسلام، وإن كانوا مستبطنين خلاف ذلك، منطوية ضمائرهم على خلاف ما عليه أهل الإيمان الصحيح، مع علم الله تعالى بكذبهم، وإطلاعه على خبث اعتقادهم، وشكهم فيما ادعوا بألسنتهم، أنهم به مصدقون، حتى ظنوا أنهم يحشرون في الآخرة في عداد من كانوا في عدادهم في الدنيا، وأنهم واردون موردهم وداخلون مدخلهم، والله تعالى، مع إظهاره ما قد أظهر لهم من الأحكام التي ألحقتهم بالمؤمنين، جعل تمييزًا بينهم وبين أوليائه، وتفريقًا بينهم وبينهم، وأعد لهم في الآخرة من العقاب والنكال ما أعده لأعدى أعدائه، وأشر عباده، وأعد لهم الدرك الأسفل من النار، ثم هم فيه لا يجدون وليًا ولا نصيرًا، كما كانوا يجدون ذلك في الدنيا، وأعد لهم في الدنيا نكالًا خفيًا، وهو أنهم لا يزالون في حسرة وحزن واتقاد نار الحسد في قلوبهم، يزداد ذلك بازدياد فوز المؤمنين على أعدائهم، وبإعلاء كلمة الإيمان، ويتجدد بذلك تجددًا لا يرجى انقاطعه، وما فعله بهم، وإن كان مجازاة لهم على أفعالهم، فإنه منه سبحانه وتعالى عدل، لاستحقاقهم إياه بعصيانهم له، وكان بما أظهر لهم من الأمور التي أظهرها لهم، من إلحاقه أحكامهم في الدنيا باحكام أوليائه، وهم له أعداء، وحشره إياهم في الآخرة مع المؤمنين، وهم به من المكذبين، إلى أن ميز بينهم وبينهم مستهزئًا وساخرًا، ولهم خادعًا وبهم ماكرًا، إذ كان معنى الاستهزاء، والسخرية، والمكر والخديعة، ما وصفنا قبل، دون أن يكون ذلك معناه في حال فيها المستهزئ بصاحبه له ظالم، أو عليه فيها غير عادل، بل ذلك معناه في كل أحواله، إذا وجدت الصفات التي قدمنا ذكرها في معنى الاستهزاء، وروى أبو جعفر الطبري عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: {الله يستهزئ بهم}، قال: يسخر منهم للنقمة منهم.

<<  <   >  >>