للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقبات، معتمدًا في ذلك على الله، سائلًا منه أن يوفقه لمقاصده، لئلا يزيغ كما زاغ أولئك الذين إذ قيل لهم: {لا تفسدوا}، جعل العادة هاديًا لهم، فاختلط عليهم الحق بالباطل، فقالوا: {إنما نحن مصلحون}، ومثل هؤلاء موجود في كل زمان، وفي كل مكان، وإذا نصحهم الناصح بأن يتبعوا طريق الحق، ويجعلوا النور المبين ضياء لهم في سيرهم، بدلًا من ظلام اتباع العوائد، أخذتهم الأنفة، وقادهم الكبر إلى الغرور، فقالوا: أنتخذ من الكتاب المنزل مأمنًا كما اتخذه السفهاء، لاعتقادهم أن عقولهم أوفى العقول وأشرفها، وأن ما كان عليه أسلافهم لا ينبغي العدول عنه بوجه من الوجوه، وأن من عدل عنه كان ضعيف الرأي سفيهًا، ولم يدروا أن ما هم عليه هو السفه بذاته، فعلى العاقل أن يتدبر أسرار هذا الموضع، وما فيه من الإرشاد إلى علم الاجتماع، ولا يقرأه قراءة من يقرأ القصص، ولا يعلم ما ترمي إليه، كما هو شأن المقلدين لأسلافهم، المغترين بما عندهم من نقطة ماء يحسبونها بحرًا، واتخذوا التلون شرعةً ومنهاجًا، وعدم الثبات ديدنًا لهم، كما أخبر عنهم تعالى بقوله:

{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤)}.

يقال: لقيته ولاقيته، إذا استقبلته قريبًا منه، والمعنى: أنه إذا حصل منهم استقبال للذين آمنوا، {قالوا} لهم: {آمنا} بمحمد، وبما جاء به من عند الله، ولم يكن قولهم ذلك، إلا خداعًا عن دمائهم وأموالهم، وذراريهم، {واذا خلوا إلى شياطينهم} أي: انفردوا مع مودتهم وأهل العتوّ والشر، والخبث منهم، ومن سائر أهل الشرك الذين هم على مثل الذي هم عليه من الكفر بالله، وبكتابه، ورسوله، وهم شياطينهم، {قالوا} لهم: {إنا معكم} على دينكم وظهراؤكم على من خالفكم فيه، وأولياؤكم دون أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، و {إنما نحن مستهزؤون} بالله وبكتابه، وبرسوله، وساخرون بذلك وبالمؤمنين، ولاعبون بهم، وأنت خبير بأن مثل هؤلاء لا يكيدون عدوًا، ولا يعينون في أمرٍ مهم ولا يحصل منهم إلا الضرر.

ولما كان فعلهم ليس على مقتضى أفعال الإنسانية أجابهم تعالى بقوله:

<<  <   >  >>