ليس في قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}، بيان أنهم، عن أي شيء سألوا، لكن الجواب كالدال على موضع السؤال، لأن قوله {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}، يدل على أن سؤالهم كان عن وجه الفائدة والحكمة في تغير حال الأهلة في النقصان والزيادة، فصار القرآن والخبر متطابقين، في أن السؤال كان عن هذا المعنى.
وبيانه:{يَسْأَلُونَكَ} يا محمد {عَنِ الْأَهِلَّةِ} ومحاقها، وسرارها، وتمامها، واستوائها، وتغير أحوالها، بزيادة ونقصان، ومحاق واستسرار، وما المعنى الذي خالف بينه وبين الشمس، التي هي دائمة أبدًا على حالة واحدة، لا تتغير بزيادة ولا نقصان. فـ {قُلْ} يا محمد: خالف بين ذلك ربكم، لتصييره {الْأَهِلَّةِ} التي سألتم عن أمرها، ومخالفة ما بينها وبين غيرها، فيما خالف بينها وبينه {مَوَاقِيتُ} لكم ولغيركم من بني آدم، في معايشهم، ترقبون زيادتها ونقصانها، ومحاقها واستسرارها، ليظهر لكم بذلك وقت حل ديونكم، وانقضاء مدة إجازة من استأجرتموه، وتصرم عدة نسائكم، ووقت صومكم وإفطاركم، فجعلها {مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ}، وجعلها أيضًا ميقاتًا لـ "حجكم"، تعرفون بها وقت مناسككم وحجكم.
ومن هنا تعلم، أنه ليس السؤال عن ذات الأهلة، حتى يكون الجواب على خلاف ما يترقبون، كما يحتج بذلك سعد الدين التفتازاني، في كتابيه "المطول" و"المختصر"، ونسب العرب العرباء- المشهور لهم بسلامة الذوق والذكاء- إلى البله، واستحالة إدراكهم الدقائق.