للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثانيها: أن الله تعالى لم يذمهم في هذه الآية، ولكن أوعدهم الوعيد الشديد، ومثل هذا الوعيد لا يكون على الظن.

وثالثها: أن قوله تعالى: {بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} فإنه يدل على أن المراد ليس اشتراءهم أنفسهم بالكفر ظنًا منهم أنهم يخلصون من العقاب، بل ذلك كان على سبيل البغي والحسد، لكونه تعالى جعل الرسالة في محمد - صلى الله عليه وسلم -. والفخر الرازي اعتمد ما قاله صاحب المنتخب، وجوابه كجوابه.

ولما كان البغي قد يكون لوجوه شتى، بين تعالى غرضهم من هذا البغي بقوله: {أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} والقصة لا تليق إلا بما إذا كان المعنى، أنهم ظنوا أن هذا الفضل العظيم بالنبوة المنتظرة يحصل في قومهم، فلما وجدوه في العرب، حملهم ذلك على البغي والحسد، والبغي هو الحسد والظلم، ثم علل بغيهم بقوله: {أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} الذين حسدوهم، والمقصود بـ {من} هو النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، والفضل: النبوة.

ثم سبب عن ذلك قوله: {فَبَاءُوا} أي: رجعوا لأجل ذلك {بِغَضَبٍ} في حسدهم لهذا النبي الكريم لكونه أرسل من العرب، ولم يكن من بني إسرائيل، {عَلَى غَضَبٍ} كانوا استحقوه بكفرهم بأنبيائهم عنادًا ثم علق الحكم الَّذي استحقوه بوصفهم، تعميمًا وإشارة إلى أنَّه سيؤمن بعضهم، فقال: {وَلِلْكَافِرِينَ} الذين هم راسخون في هذا الوصف، منهم ومن غيرهم، {عَذَابٌ مُهِينٌ}، من الإهانة، وهي الاطراح إذلالًا واحتقارًا.

ولما أقام سبحانه وتعالى الدليل على استحقاقهم للخلود في النار بكفرهم بالكتاب، وبغيهم، أقام دليلًا آخر على ذلك أبين منه، وذلك بكفرهم بكتابهم نفسه فقال:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١)}.

<<  <   >  >>