والإمام، فإنهم لم يقولوا نعبد الإله الذي دل عليه العقل، بل قالوا: لا نعبد إلا الذي أنت تعبده، وآباؤك تعبده، وهذا يدل على أن طريق المعرفة التعلم.
وما ذهبوا إليه لا دليل عليه، لأن الآية لم تتضمن إلا الإقرار بعبادة الله، وهو لا يدل على أن ذلك ناشئ عن تقليد ولا تعليم، ولا أنه أيضًا ناشئ عن استدلال بالعقل، فبطل تمسكهم بالآية، وإنما لم تتعرض الآية للاستدلال العقلي لأنها لم تجئ في معرض ذلك، لأنه إنما سألهم عما يعبدونه من بعد موته؟ فأحالوه على معبوده ومعبود آبائه، وهو الله تعالى، فكان ذلك أخصر في القول من شرح صفاته تعالى، وأقرب إلى سكون نفس يعقوب، فكأنهم قالوا: لسنا نجري إلا على طريقتك.
وقوله تعالى:{تِلْكَ أُمَّةٌ} إشارة إلى الأمة المذكورة التي هي إبراهيم، وما عطف عليه، وبنوهم الموحدون والمعنى: أن أحدًا لا ينفعه كسب غيره متقدمًا كان أو متأخرًا، فكما أن أولئك لا ينفعهم إلا ما اكتسبوا، فكذلك أنتم لا ينفعكم إلَّا ما اكتسبتم، وذلك أنهم افتخروا بأوائلهم، وقد شايعهم في هذه الأمة أناس اتكلوا على الأنساب، وعملوا بأكثر ما حرمه الكتاب، وأبناء العلماء تركوا العلم وادعوا أن ولد العالم لا يكون إلا عالمًا، كأنهم يقولون بالتناسخ، ويزعم بعضهم أن أرواح آبائهم تمدهم وتلهمهم العلم إلهامًا بدون تعلم، وما أقبح هذه الدعوى وما أفظعها.
وقوله تعالى:{مَا كَسَبَتْ} يدل على أن كسب كل واحد مختص به، ولا ينتفع به غيره، وهذا يدل على بطلان التقليد، كما قاله الرازي، إذ لو كان التقليد جائزًا لكان كسب المتبوع نافعًا للتابع، فكأنه قال: إني ما ذكرت حكاية أحوالهم طالبًا منكم أن تقلدوهم، ولكن لتنبهوا على ما يلزمكم، فتستدلوا وتعلموا أن ما كان عليه إبراهيم، وما عطف عليه من الملة هو الحق، وفي الآية رد على اليهود لأنهم يقولون: بأن صلاح آبائهم ينفعهم، ويقولون: إنهم يعذبون في النار لكفر آبائهم باتخاذ العجل.
ولما بين تعالى بالدلائل التي تقدمت صحة دين الإِسلام، حكى بعدها أنواعًا من شبه المخالفين الطاعنين في الإِسلام فقال: