للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كفرًا بما عندهم، فلا وجه لعداوتهم له، و {مصدقًا}: منصوب على [الحال] (١) من الضمير المنصوب في {نزله}، ومعنى كونه مصدقًا لما بين يديه، موافقًا لما قبله من كتب الأنبياء، فيما يرجع إلى المبادئ والغايات دون الأوساط التي يتطرق إليها الاختلاف بتبدل الأزمان والأوقات.

ثم وصفه وصفًا ثانيًا بقوله: {وهدى وبشرى للمؤمنين}، أي: {هدى} إلى كل خير، لأنَّه كان ما وقع التكليف به من أفعال القلوب والجوارح، {وبشرى للمؤمنين} لأنَّ المؤمن إذا سمع القرآن حفظه ووعاه، وانتفع به واطمأن إليه، وصدق بموعود الله الَّذي وعده فيه، وكان على يقين من ذلك، فتحصل له البشرى بما أعد الله له من الثواب على أعماله التي أخلصها لمولاه، والبشارة في كلام العرب: إعلام الرجل بما لم يكن به عالمًا مما يسره من الخبر قبل أن يسمعه من غيره، أو يعلمه من قبل غيره.

لما كانت عداوةُ واحد من الحزب - لكونه من ذلك الحزب - عداوةً لجميع ذلك الحزب، تلاه بقوله: {من كان عدوًا لله} لعداوته واحدًا من أوليائه لكونه من أوليائه {وملائكته} الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، {ورسله وجبريل وميكال}، فإنه قد كفر فأهلك نفسه بكفره، وعلى ذلك دل قوله تعالى: {فإن الله عدو للكافرين}، وإنما لم يقل "عدو لهم"، فجاء بالظاهر دليلًا على ما ذكرنا من أن من عادى أولياء الله وملائكته، فإنه يعادي الله تعالى، ومن عادى الله تعالى فهو كافر، وحاصل المعنى: ومن عاداهم عاداه الله وعاقبه أشد العقاب.

فإن قلت: كيف يجوز أن يكونوا أعداء الله، ومن حق العداوة الإضرار بالعدو، وذلك محال على الله تعالى؟

أجيب بأن معنى العدواة على الحقيقة لا يصح إلا فينا، لأنَّ العدو للغير هو الَّذي يريد إنزال المضار به، وذلك محال على الله تعالى، بل المراد منه أحد وجهين:


(١) زيادة من "البحر المحيط".

<<  <   >  >>