للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} أي: لهؤلاء الذين نقضوا عهود كتابهم، وسياق الآية يدل على أن المراد آباء الذين كانوا زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأنهم هم الذين قتلوا الأنبياء، وحسن ذلك أن الراضي بالشيء كفاعله، وأنهم جنس واحد، وأنهم متبعون لهم ومعتقدون ذلك، وأنهم يتولونهم فهم منهم: {آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}، أي: بالقرآن الَّذي أنزله الله، {قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}، يريدون التوراة، وما جاءهم من الرسالات على لسان موسى عليه السلام، ومن بعده من أنبيائهم، وذموا على هذه المقالة لأنهم أمروا بالإيمان بكل كتاب أنزله الله، فأجابوا بأن آمنوا بمقيد، والمأمور به عام فلم يطابق إيمانهم الأمر.

ثم عجب من دعواهم هذه بقوله: {وَيَكْفُرُونَ}، أي: قالوا ذلك والحال أنهم يكفرون {بِمَا وَرَاءَهُ} أي وراء ما أنزل عليهم مما أنزله الله على رسله، {وهو} يشمل ما قبل التوراة وما بعدها، لأنَّ "وراء" يراد بها تارة "خلف" وتارة "أمام"، فإذا قلت: زيد ورائي، صح أن يراد: في المكان الَّذي أواريه أنا بالنسبة إلى من خلفي، فيكون أمامي، وأن يراد في المكان الَّذي هو متوارٍ عني فيكون خلفي، والحال أن ذلك الَّذي وراءه: {الْحَقُّ} الواصل إلى أقصى غاياته بدلالة أل الدالة على الكمال، {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ}، فصح أنهم كافرون بما عندهم، لأنَّ ما أنزل عليهم غير مخالف للقرآن، ومن لم يصدق ما وافق ما أنزل عليه لم يصدق به، وإذا دلَّ الدليل على كون ذلك منزلًا من عند الله وجب الإيمان به، فالإيمان ببعض دون بعض متناقض.

ثم كشف ستر مقالتهم هذه بأبين نقض، فقال: {قل} يا من يريد جدالهم إن كنتم آمنتم بما أنزل عليكم {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ} لأنَّ الإيمان بالتوراة واستحلال قتل الأنبياء لا يجتمعان، فقولكم أنكم آمنتم بالتوراة كذب، وبهت، فإنه لا يؤمن بالقرآن من استحل محارمه، ثم بين أن كفرهم بهذا القتل إنما هو بطريق الرضاء بقتل أسلافهم، {مِنْ قَبْلُ}، وفي الإتيان بصيغة المضارع تصوير لشناعة هذا الفتل بتلك الحال الفظيعة، ورمز إلى أنهم لو قدروا الآن لفعلوا مثل فعل أسلافهم، لأنَّ التقدير: وتصرون على قتلهم من بعد، وفيه إيماء إلى حرصهم على قتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، تحذيرًا منهم، ولقد صدق

<<  <   >  >>