للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما أبهم تعالى الأمر فيما مضى، وفسره هنا لأن ذلك أضخم، وآكد من تعيينه من أول الأمر، فإنه تعالى لما قال: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، ثم ذكر حكمها، اشرأبت نفس المخاطب إلى بيان تلك الأيام، فبينها له بقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ}. فهو خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو، أي: المكتوب {شَهْرُ رَمَضَانَ}، هكذا أعرب الأخفش.

وقال الفرّاء: ذلك {شَهْرُ رَمَضَانَ}، وهو قريب من الأول.

ويجوز تقدير المبتدأ: هن، أي: الأيام المعدودات، {شَهْرُ رَمَضَانَ}، ويجوز أن يكون المعنى: أنه تعالى، لما قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، اتجه في نفس المخاطب أن يقول: ما نصوم على التعيين؟ فأجيب بقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ}. والتقدير: صوموا، فيكون {شَهْرُ} منصوبًا، ونصبه قراءة ذكرها أبو عبد الله الحسين بن خالويه، في كتاب "البديع" له.

والشهر هو: الهلال الذي شأنه أن يدور في فلكه، دورة من حين يهل إلى أن يهل ثانيًا، فيقطع الثمانية والعشرين التي هي منازله، سواء كان عدد أيامه تسعة وعشرين، أو ثلاثين، كلا العددين في صحة التسمية بالشهر الواحد، فهو شائع في فردين متزايدي العدد، فكمال العدة أحد الفردين المسمى بـ {رَمَضَانَ}، ولما كانت العرب أمة أميّة، كما في حديث البخاري ومسلم، وأبي داود والنسائي، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إنا أمة أميّة، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا ... " (١).

وهكذا قال الراوي: يعني: مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين. جعل تعالى صومهم بالشيء المحسوس لهم، الذي تدل زيادته ونقصانه على ما مضى منه وما بقي، وهو الشهر القمري، لأنهم أهل شهور ناظرون إلى الأهلة، ليسوا بالمستغرقين في حساب الشمس ومنازلها، فجعل صومهم لرؤية الشهر، وجعل لهم الشهر يومًا واحدًا، فكأنهم نقلوا من صوم أيام معدودات، إلى صوم يوم واحد


(١) هو في "مختصر صحيح مسلم" ٥٧٦، و"مشكاة المصابيح" ١٩٧١.

<<  <   >  >>