للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التوراة، قلنا: أليس في التوراة أن ذلك يراد به الطهارة؟ فإن كانت الطهارة قد فاتتكم، والنجاسة التي أنتم فيها على معتقدكم لا ترتفع بالغسل، كنجاسة الحيض لما أنكم ترون أن الحائض طاهرة إذا كان من غير ملتكم، ولا تستنجسون لامسها ولا الثوب الذي تلمسه، وتخصيص هذا الأمر أعني نجاسة الحيض بطائفتكم مما ليس في التوراة، فهذا كله منكم نسخ أو تبديل، فإن قالوا: إن هذا وإن كان النص غير ناطق به فقد جاء في الفقه، قلنا لهم: فما تقولون في فقهائكم؟ هل الذين اختلفوا فيه من مسائل الخلاف والمذاهب، على كثرتها لديكم، كان ثمرة اجتهاد واستدلال [أو] (١) منقولًا بعينه؟ فهم يقولون: إن جميع ما في كتب فقهائنا نقله الفقهاء، عن الأحبار، عن الثقاة، عن السلف، عن "يهوشع بن نون"، عن "موسى الكليم"، عن الله عز وجل، فيلزمكم في هذه المسألة الواحدة التي اختلف فيها اثنان من فقهائكم، أن يكون كل واحد منهما ناقلًا مذهبه فيها نقلًا مسندًا إلى الله، وفي ذلك من الشناعة اللازمة أن يجعلوا الله قد أمر في تلك الساعة في شيء وخلافه، وهو النسخ الذي يدفعونه بعينه.

فإن قالوا: إن الخلاف غير مستبعد، لأن الأولين كانوا بعد اختلافهم في المسألة، يرجعون إلى أصل واحد، وهو المقطوع به، قلنا: إن رجوعهم بعد الاختلاف إلى الاتفاق على مذهب، إما لأن أحدهم رجع عما نقل أو طعن في نقله فيلزمه السقوط عن العدالة، ولا يجوز لكم أن تعاودوا الالتفات إلى نقله، وإما أن يكون الفقهاء اجتمعوا على نسخ أحد المذهبين أو تكون رواية أحدهما ناسخة لرواية الآخر، وما أحد من الفقهاء، إلا وقد ألغي مذهبه في مسائل كثيرة، وهذا جنون ممن لا يقر بالنسخ، ولا يرى كلام أصحاب الخلاف اجتهادًا ونظرًا، بل نقلًا محضًا.

وثم وجه آخر للرد عليهم، نقول لهم: ما تقولون في صلاتكم وصومكم، هل التي فارقكم عليها موسى عليه السلام؟ فإن قالوا: نعم قلنا: فهل كان موسى وأمته يقولون في صلاتهم كما تقولون: اللهم اضرب ببوق عظيم لعتقنا، واقبضنا جميعًا من أربعة أقطار الأرض إلى قدسك، سبحانك يا جامع تشتيت بني إسرائيل؟


(١) زيادة من "إفحام اليهود" ص ٩٥.

<<  <   >  >>