للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سائلة، أو شبه العجين، انتفخت نحو وسطها، أو تفرطحت نحو طرفي محورها.

إذا علمت هذا، فاعلم أنه إذا تأمل العاقل في هذه اللطائف والعجائب، وافتقارها إلى هذه التدابير، اضطر قطعًا أن يعتقد بإثبات وجود الصانع الحكيم، المقتدر العليم، الذي جعل الأرض دائرة لاختصاصها من المخصص لها بالمنافع التي تصدر منها، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.

واعلم: أنه تعالى ذكر أمر السماوات والأرض في كتابه في عدة مواضع، ولا شك أن إكثار الله تعالى من ذكرهما، يدل على عظم شأنهما، وعلى أن له سبحانه وتعالى فيهما أسرارًا عظيمة، وحكمًا بالغة لا تصل إليها أفهام الخلق ولا عقولهم.

وكان الشيخ ضياء الدين عمر رحمه الله يقول: إن لله تعالى في كل جوهر فرد، أنواعًا غير متناهية من الدلائل الدالة على القدرة والحكمة والرحمة، وذلك لأن كل جوهر يمكن وقوعه في أحياز غير متناهية على البدل ويمكن أيضًا اتصافه بصفات غير متناهية على البدل، وكل واحد من تلك الأحوال المقدرة، فإنه بتقدير الوقوع يدل على الافتقار إلى وجود الصانع الحكيم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ولما قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ذكر ما ينشأ عنهما، فقال: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} فـ {اخْتِلَافِ}: افتعال من الخلف، وهو ما يقع من افتراق بعد اجتماع في أمر من الأمور، وقدم {اللَّيْلِ} لأنه الأقدم والأصل {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: ٣٧] فالآية من الاحتباك، ذكر الخلق أولًا دليلًا على حذفه ثانيًا والاختلاف ثانيًا بناء على حذفه أولًا، وإنما أردف تعالى ذكر اختلاف الليل والنهار، لما ذكره من خلق السماوات والأرض، لأنه لما كان تقابل بينهما من جهة العلو والسفل، لاجرم نظم بهما اختلاف الأفقين اللذين فيهما ظهور مختلفي الليل والنهار، ليتريع اعتبارهم بين اعتبار الأعلى والأسفل، والمشرق والمغرب، فتقع شواهد

<<  <   >  >>