للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السعي يكون بعد الفراغ من الحج، لأن الله تعالى قال: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} ثم قال: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فلو كان السعي ركنًا لما أثبت له الحج والعمرة قبل وجوده.

وأجاب القائلون بالركن: بأن هذا لا يدل على ما قاله، لأن من قال: من صلى فليقرأ فيها بفاتحة الكتاب، أو فليقرأ فيها من القرآن، لا يدل على أن الصلاة تخلو من القرآن.

وأقول: الفرق بين الآية والمثال، كالصبح ظاهر، لأن الآية ليس فيها تلك الظرفية المذكورة في المثال، ولولاها ما ظهر المعنى الذي أراده المدافع، ألا ترى أنه لو قيل: من صلى فليقرأ بفاتحة الكتاب، يدل على أن القراءة تطلب خارج الصلاة، ولا يتعين المعنى الذي أراده، وقولهم: الأمر للوجوب ليس على إطلاقه، فإن القائل بذلك قال: إن الأمر إما أن يكون مجردًا أو مقترنًا، فإن كان مقترنًا بقرينة تدل على أن المراد به الوجوب أو الندب أو الإباحة، حمل على ما دلت عليه القرينة، وإن كان مجردًا عن قرينة، فهو يقتضي الوجوب، وهذا عند أئمة الفقهاء الأربعة، وبعض المتكلمين كأبي الحسين البصري والجبائي، وقال أبو هاشم المعتزلي وجماعة من المتكلمين: هو لمطلق رجحان الفعل، أي: للقدر المشترك بين الوجوب والندب، وقيل: إنه للإباحة، وقيل: بالوقف.

وبعد: فحديث حبيبة، مداره كما قاله أبو بكر ابن المنذر على عبد الله بن مؤمل، وقد قال الإمام أحمد: أحاديثه مناكير. وقال يحيى بن معين مرة عنه: هو ضعيف، ومرة: ليس به بأس، ولم يخرج هذا الحديث أحد من أهل الكتب الستة، وفي إسناده اختلاف، وحديث صفية رواه الدارقطني، وفي سنده منصور ابن عبد الرحمن، قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال يحيى بن معين: هو ثقة، وهو غير مخرج في السنن أيضًا، لكن قال الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الهادي، في كتابه "تنقيح التحقيق": قال شيخنا - يعني شيخ الإسلام تقي الدين أحمد ابن تيمية -: هو حديث صحيح الإسناد، ومنصور بن

<<  <   >  >>