للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصدق رسله، ومعنى الكلام: أنا فعلنا بهم ذلك، من أجل أنهم كانوا يجحدون حجج الله على توحيده وتصديق رسله، ويدفعون حقيتها، ويكذبون بها.

ويعني بقوله: {ويقتلون النبيين بغير الحق}: يقتلون رسل الله الذين ابتعثهم لإنباء ما أرسلهم به عنه لمن أرسلوا إليه، وكان قتلهم لهم وهم يعتقدون أنهم معتدون عليهم، وأن قتلهم لهم كان بغير حق، وما ذلك إلا لأن الأنبياء نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم، ولو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم، لم يذكروا وجهًا يستحقون به القتل عندهم، ثم علل هذه الجرأة بقوله: {ذلك}، أي: الأمر الكبير من الكفر والقتل، {بما عصوا} أي: بسبب ارتكابهم أنواع المعاصي، واعتدائهم حدود الله في كل شيء، وبما ارتكبوه من الاعتداء، وهو مجاوزة الحدود على سبيل التجدد والاستمرار، فإن من فعل ذلك مرد عليه، ومرن فاجترأ على العظائم.

ولما أنهى سبحانه وتعالى، نبأ أحوال بني إسرائيل، وذكر نهايته، مما بين إعلاء تكرمتهم بالخطاب الأوَّل، إلى أدنى الغضب على من كفر منهم بهذا النبأ الآخر، الذي أخبرنا بالإعراض عنهم في مقابلة الإقبال الأوَّل، وكانوا هم أول أهل كتاب، أشعر تعالى بهذا الختم أنهم صاروا قدوة لجميع من بعدهم، وأن جميع من بعدهم يكون لهم تبعًا فيما أصابهم من جميع أهل الملل الأربعة، فقال:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)}.

اختلف المفسرون في بيان المراد من قوله تعالى: {إن الذين آمنوا}، وسبب اختلافهم قوله تعالى في آخر الآية: {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} {البقرة: ١٢٦} فروي عن ابن عباس: أن المراد بهم من آمن قبل مبعث النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال سفيان الثوري، ما معناه: أنَّه تعالى ذكر في أول السورة طريقة المنافقين، ثم طريقة اليهود، فالمراد من قوله تعالى: هم الذين يؤمنون باللسان دون القلب، وهم: المنافقون، فذكر المنافقين، ثم اليهود، ثم النصارى، ثم الصابئين، فكأنه قال: هؤلاء المبطلون كل من أتى منهم بالإيمان الحقيقي، صار

<<  <   >  >>