وتأبطوا السفسطة والشر، فكذبوا الناصح لهم وأهانوه، لما يظهره من شرع الله تعالى، وشهدوا عليه بالزور وطعنوا في دينه، وفعلوا مثل فعل من ذمهم الله تعالى في كتابه العزيز.
ثم إنه تعالى بيَّن شدة بهتهم وقوة عنادهم، فأخبر عنهم بقوله:
{وَقَالُوا} في جواب ما كانوا يلقون إليهم من جوهر العلم التي هي أوضح من الشمس: {قلوبنا غلف}، وإنما قالوا ذلك بهتًا ودفعًا لما قامت عليهم الحجج وظهرت لهم البينات، وأعجزتهم عن مدافعة الحق المعجزات، نزلوا عن رتبة الإنسانية إلى رتبة الحيوانية البهيمية، والغلف: المستورة عن الفهم والتمييز، ولذلك أضرب سبحانه وتعالى عن النسبة التي تضمنها قولهم:{قلوبنا غلف}، بقوله:{بل} أي: ليس الأمر كما قالوا: من أن هناك غلفًا حقيقة، {بل لعنهم الله}، أي: طردهم عن قبول ذلك لأنهم ليسوا بأهل للسعادة، فكأنه تعالى يقول: ليس عدم قبولهم الحق لأنَّ قلوبهم غلف كما قالوا، بل هي خلقت متمكنة من قبول الحق مفطورة لإدراك الصواب، فأخبروا عنها بما لم تخلق عليه.
ثم أخبر تعالى: أنهم لعنوا بسبب ما تقدم من كفرهم، وجازاهم بالطرد الَّذي هو اللعن المتسبب عن الذنب الَّذي هو الكفر، ولما أخبر بلعنهم سبب عنه قوله:{فقليلًا ما يؤمنون} فوصفه بالقلة، وأكده بـ {ما} إيذانًا بأنه مغمور بالكفر لا غناء عنه، وذهب الأصم وأبو مسلم تبعًا لقتادة: إلى أن القليل صفة للمؤمن، والمعنى: لا يؤمن منهم إلا القليل.
ولما ذكر الله تعالى في جلافتهم ما ختمه بلعنهم، ذكر نوعًا آخر من قبائح أفعالهم، فقال: