للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} يدل على أن هذا الكتاب غير ما معهم، وما ذلك إلا القرآن، وأما قوله: {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} فهو وصف ثان لذلك الكتاب، ذكر للتحبيب لهم به، فوصفه أولًا بكونه من عند الله، للدلالة على أنَّه جدير بأن يقبل ويتبع ما فيه ويعمل بمضمونه، إذ هو وارد من عند خالقهم وإلههم الَّذي هو ناظر في مصالحهم. ثم حببه إليهم بالوصف الثاني، وهو {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} أي: موافق لكتبهم فيما يختص بتكليفهم بتصديق محمد - صلى الله عليه وسلم -، وفيما يدل على نبوته من العلامات والنعوت والصفات، وفي ذلك قاصمة لهم، لأنَّ كتابهم يكون شاهدًا على كفرهم.

والمراد بقوله: {لِمَا مَعَهُمْ}، التوراة والإنجيل.

ولما بين شهادة كتابهم، أتبعه بشهادتهم لئلا يحرفوا معنى ذلك، فقال: {وَكَانُوا} أي: والحال أنهم كانوا {مِنْ قَبْلُ}، أي: من قبل مجيئه {يَسْتَفْتِحُونَ} أي: يسألون الفتح والنصر، وكانوا يقولون: اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي الأمي {عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا}، يعني: أنهم لم يكونوا في غفلة عنه، بل كانوا أعلم الناس به، وقد وطنوا أنفسهم على تصديقه، {فَلَمَّا جَاءَهُمْ} برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، {مَا عَرَفُوا} من صدقه بما ذكر من نعوته في كتابهم {كَفَرُوا بِهِ}، اعتلالًا بأنواع من العلل البينة الكذب، منها زعمهم أن جبريل عدوهم وهو الآتي به، ولم يتعللوا بالعلل الكاذبة إلا بغيًا وحسدًا وحرصًا على الرياسة.

وفي قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ}، إشارة إلى أنَّه وإن كان الَّذي في التوراة والإنجيل من أوصاف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصفًا إجماليًا، وأن أهل الكتابين لم يعرفوا نبوته بمجرد تلك الأوصاف (١) إلا أن تلك الأوصاف صارت بظهور معجزته - صلى الله عليه وسلم -، كالمؤكدة لها، فلذلك ذمهم الله تعالى على الإنكار.

ولما بين الله تعالى بهذا أنهم أعتى الناس وأشدهم تدليسًا وبهتًا، بل كذبًا وفسقًا كانوا أحق الناس بالكفر، سبب عن ذلك قوله: {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}،


(١) بل كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.

<<  <   >  >>