قيل: المراد عامة اليهود وعامة النصارى، فهذا من الأخبار عن الأمم السالفة، وتكون "الـ" للجنس، ويكون ذلك تقريع لمن بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولمن بعده من الفريقين، وتسلية له إذ كذبوا بالرسل وبالكتب قبله. وقيل: المراد يهود المدينة، ونصارى نجران، حيث تماروا عند الرسول وتسابوا، وأنكرت اليهود الإنجيل ونبوة عيسى، وأنكرت النصارى التوراة ونبوة موسى، فتكون حكايةَ حالٍ و"الـ" للعهد، وإني أميل إلى صحة القول الأول، لأن الله جمعهم في الخبر الأول على العموم، ثم فصلهم في هذه الآية، وبين قول كل فريق منهم في الآخر، وكيف تُنكر كل طائفة دين الأخرى، وأنّث فعلهم في قوله:{وقالت} لضعف قولهم وجمع أمرهم.
فقوله:{وقالت اليهود ليست النصارى على شيء} أي: على شيء يصح ويعتد به، وهذه مبالغة عظيمة لأن المحال والمعدوم يقع عليه اسم الشيء، فإذا نفي إطلاق اسم الشيء عليه، فقد بولغ في ترك الاعتداد به إلى ما ليس بعده، وهذا كقولهم: أقل من لا شيء، ومعنى "ليس" مطلق النفي لمتقدم إثبات أو مقدرة.
{وقالت النصارى ليست اليهود على شيء} ونظير هذا قوله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ}[المائدة: ٦٨] فإن قيل: كيف قالوا ذلك، مع أن الفريقين كانا يثبتان الصانع وصفاته وذلك قول فيه فائدة؟ ، قيل في الجواب: إنهم لما ضموا إلى ذلك القول الحسن قولًا باطلًا يحبط ثواب الأول، فكأنهم ما أتوا بذلك الحق، أو أنه يخص هذا العام بالأمور التي اختلفوا فيها،